(وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) وقصتها هي المشار إليها بقوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) [البقرة : ٦٥] فالتقدير : فجعلنا منها ، أي من القرية نكالا ، وهم القوم الذين قيل لهم (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) [البقرة : ٦٥].
والشياطين هي التي تسترق السمع فتطردها الشهب كما تقدم في سورة الصافات.
وأصل (أَعْتَدْنا) أعددنا أي هيّأنا ، قلبت الدال الأولى تاء لتقارب مخرجيهما ليتأتى الإدغام طلبا للخفة.
و (السَّعِيرِ) : اسم صيغ على مثال فعيل بمعنى مفعول من : سعر النار ، إذا أوقدها وهو لهب النار ، أي أعددنا للشياطين عذاب طبقة أشد طبقات النار حرارة وتوقدا فإن جهنم طبقات.
وكان السعير عذابا لشياطين الجن مع كونهم من عنصر النار لأنّ نار جهنم أشد من نار طبعهم ، فإذا أصابتهم صارت لهم عذابا.
وتسمية عذابهم (السَّعِيرِ) دون النار ، أو جهنم مراد لهذا المعنى ومثله قوله تعالى في عذاب الجن (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) [سبأ : ١٢] وقال (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) [فاطر : ٦] يعني الشيطان.
ومعنى الإعداد يحتمل أنه إعداد تقدير وإيجاد فلا يقتضي أن تكون جهنم مخلوقة قبل يوم القيامة ويحتمل أنه إعداد استعمال ، فتكون جهنم مخلوقة حين نزول الآية وقد اختلف علماؤنا في أن النار موجودة أو توجد يوم الجزاء إذ لا دليل في الكتاب والسنة على أحد الاحتمالين وإنما دعاهم إلى فرض هذه المسألة تأويل بعض الآيات والأحاديث.
(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦))
هذا تتميم لئلا يتوهم أن العذاب أعد للشياطين خاصة ، والمعنى : ولجميع الذين كفروا بالله عذاب جهنم فالمراد عامة المشركين ولأجل ما في الجملة من زيادة الفائدة غايرت الجملة التي قبلها فلذلك عطفت عليها.
وتقديم المجرور للاهتمام بتعلقه بالمسند إليه والمبادرة به.
وجملة (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) حال أو معترضة لإنشاء الذم وحذف المخصوص بالذم لدلالة ما قبل (بِئْسَ) عليه. والتقدير : وبئس المصير عذاب جهنم.