المكانية ، أي في مكان منحط عن الصالحين.
والتقدير : ومنا فريق في مرتبة دونهم.
وظرفية (دُونَ) مجازية. ووقع الظرف هنا ظرفا مستقرا في محل الصفة لموصوف محذوف تقديره : فريق ، كقوله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] ويطّرد حذف الموصوف إذا كان بعض اسم مجرور بحرف (من) مقدم عليه وكانت الصفة ظرفا كما هنا ، أو جملة كقول العرب : منّا ظعن ومنّا أقام.
وقوله : (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) تشبيه بليغ ، شبه تخالف الأحوال والعقائد بالطرائق تفضي كل واحدة منها إلى مكان لا تفضي إليه الأخرى.
و (طَرائِقَ) : جمع طريقة ، والطريقة هي الطريق ، ولعلها تختص بالطريق الواسع الواضح لأنّ التاء للتأكيد مثل دار ودارة ، ومثل مقام ومقامة ، ولذلك شبه بها أفلاك الكواكب في قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) [المؤمنون : ١٧] ووصفت بالمثلى في قوله : (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) [طه : ٦٣].
ووصف (طَرائِقَ) ب (قِدَداً) ، وهو اسم جمع قدّة بكسر القاف وتشديد الدال والقدة : القطعة من جلد ونحوه المقطوعة طولا كالسير ، شبهت الطرائق في كثرتها بالقدد المقتطعة من الجلد يقطعها صانع حبال القدّ كانوا يقيدون بها الأسرى.
والمعنى : أنهم يدعون إخوتهم إلى وحدة الاعتقاد باقتفاء هدى الإسلام ، فالخبر مستعمل في التعريض بذم الاختلاف بين القوم وأن على القوم أن يتحدوا ويتطلبوا الحق ليكون اتحادهم على الحق.
وليس المقصود منه فائدة الخبر لأن المخاطبين يعلمون ذلك ، والتوكيد ب (إنّ) متوجه إلى المعنى التعريضي.
(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢))
قرأ الجمهور وأبو جعفر بكسر همزة (وَأَنَّا). وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وخلف بفتحها عطفا على المجرور في قوله : (فَآمَنَّا بِهِ) [الجن : ٢]. والتقدير: وآمنا بأن لن نعجز الله في الأرض. وذكر فعل (ظَنَنَّا) تأكيد لفظي لفعل «آمنا» المقدر بحرف العطف ، لأن الإيمان يقين وأطلق الظن هنا على اليقين وهو إطلاق كثير.