والظن هنا مستعمل في اليقين بقرينة تأكيد المظنون بحرف (لَنْ) الدال على تأبيد النفي وتأكيده.
(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣))
قرأ الجمهور وأبو جعفر بكسر الهمزة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وخلف بفتحها عطفا على المجرور في قوله : (فَآمَنَّا بِهِ) [الجن : ٢].
والمقصود بالعطف قوله : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) ، وأما جملة (لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ) فتوطئة لذلك.
بعد أن ذكروا قومهم بعذاب الله في الدنيا أو اطمأنوا بتذكّر ذلك في نفوسهم ، عادوا إلى ترغيبهم في الإيمان بالله وحده ، وتحذيرهم من الكفر بطريق المفهوم. وأريد بالهدى القرآن إذ هو المسموع لهم ووصفوه بالهدى للمبالغة في أنه هاد.
ومعنى (يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ) ، أي بوجوده وانفراده بالإلهية كما يشعر به إحضار اسمه بعنوان الرب إذ الرب هو الخالق فما لا يخلق لا يعبد.
وجملة (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) يجوز أن تكون من القول المحكي عن الجن. ويجوز أن تكون كلاما من الله موجها للمشركين وهي معترضة بين الجملتين المتعاطفتين.
والبخس : الغبن في الأجر ونحوه.
والرهق : الإهانة ، أي لا يخشى أن يبخس في الجزاء على إيمانه ولا أن يهان. وفهم منه أن من لا يؤمن يهان بالعذاب. والخلاف في كسر همزة (أَنَّا) وفتحها كالخلاف في التي قبلها.
وجملة (فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) جواب لشرط (من) جعلت بصورة الجملة الاسمية فقرنت بالفاء مع أن ما بعد الفاء فعل ، وشأن جواب الشرط أن لا يقترن بالفاء إلّا إذا كان غير صالح لأن يكون فعل الشرط فكان اقترانه بالفاء وهو فعل مضارع مشيرا إلى إرادة جعله خبر مبتدأ محذوف بحيث تكون الجملة اسمية ، والاسمية تقترن بالفاء إذا وقعت جواب شرط ، فكان التقدير هنا : فهو لا يخاف ليكون دالا على تحقيق سلامته من