خوف البخس والرهق ، وليدل على اختصاصه بذلك دون غيره الذي لا يؤمن بربه ، فتقدير المسند إليه قبل الخبر الفعلي يقتضي التخصيص تارة والتقوي أخرى وقد يجتمعان كما تقدم في قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : ١٥]. واجتمعا هنا كما أشار إليه في «الكشاف» بقوله : فكان دالا على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة وأنه هو المختص بذلك دون غيره. وكلام «الكشاف» اقتصر على بيان مزية الجملة الاسمية وهو يقتضي توجيه العدول عن جزم الفعل لأجل ذلك.
وقد نقول : إن العدول عن تجريد الفعل من الفاء وعن جزمه لدفع إيهام أن تكون (لا) ناهية ، فهذا العدول صراحة في إرادة الوعد دون احتمال إرادة النهي.
وفي «شرح الدماميني على التسهيل» : أن جواب الشرط إذا كان فعلا منفيا ب (لا) يجوز الاقتران بالفاء وتركه. ولم أره لغيره وكلام «الكشاف» يقتضي أن الاقتران بالفاء واجب إلّا إذا قصدت مزية أخرى.
[١٤ ـ ١٥] (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥))
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ).
قرأ الجمهور وأبو جعفر بكسر الهمزة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وخلف بفتحها وهو من قول الجن وهو عطف على المجرور بالباء. والمقصود بالعطف قوله : (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) وما قبله توطئة له ، أي أصبحنا بعد سماع القرآن منا المسلمون ، أي الذين اتبعوا ما جاء به الإسلام مما يليق بحالهم ومنا القاسطون ، أي الكافرون المعرضون وهذا تفصيل لقولهم : (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن : ١١] لأن فيه تصريحا بأن دون ذلك هو ضد الصلاح.
والظاهر أن من منتهى ما حكي عن الجن من المدركات التي عبر عنها بالقول وما عطف عليه.
(فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥)).
الظاهر أن هذا خارج عن الكلام المحكي عن الجن ، وأنه كلام من جانب الله تعالى