ضمير (فَإِنَّهُ).
والثالث والرابع ضميرا (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) ، وهما عائدان إلى (رَسُولٍ) أي فإن الله يسلك أي يرسل للرسول رصدا من بين يدي الرسول صلىاللهعليهوسلم ومن خلفه رصدا ، أي ملائكة يحفظون الرسول صلىاللهعليهوسلم من إلقاء الشياطين إليه ما يخلط عليه ما أطلعه الله عليه من غيبه.
والسّلك حقيقته : الإدخال كما في قوله تعالى : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) في سورة الحجر [١٢].
وأطلق السّلك على الإيصال المباشر تشبيها له بالدخول في الشيء بحيث لا مصرف له عنه كما تقدم آنفا في قوله : (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) [الجن : ١٧] أي يرسل إليه ملائكة متجهين إليه لا يبتعدون عنه حتى يبلغ إليه ما أوحي إليه من الغيب ، كأنّهم شبه اتصالهم به وحراستهم إياه بشيء داخل في أجزاء جسم. وهذا من جملة الحفظ الذي حفظ الله به ذكره في قوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩].
والمراد ب (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) الكناية عن جميع الجهات ، ومن تلك الكناية ينتقل إلى كناية أخرى عن السلامة من التغيير والتحريف.
والرصد : اسم جمع كما تقدم آنفا في قوله : (يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) [الجن : ٩]. وانتصب (رَصَداً) على أنه مفعول به لفعل (يَسْلُكُ).
ويتعلق (لِيَعْلَمَ) بقوله : (يَسْلُكُ) ، أي يفعل الله ذلك ليبلّغ الغيب إلى الرسول كما أرسل إليه لا يخالطه شيء مما يلبس عليه الوحي فيعلم الله أن الرسل أبلغوا ما أوحي إليه كما بعثه دون تغيير ، فلما كان علم الله بتبليغ الرسول الوحي مفرعا ومسببا عن تبليغ الوحي كما أنزل الله ، جعل المسبب علّة وأقيم مقام السّبب إيجازا في الكلام لأن علم الله بذلك لا يكون إلّا على وفق ما وقع ، وهذا كقول إياس بن قبيصة :
وأقبلت والخطّيّ يخطر بيننا |
|
لأعلم من جبانها من شجاعها |
أي ليظهر من هو شجاع ومن هو جبان فأعلم ذلك. وهذه العلة هي المقصد الأهم من اطلاع من ارتضى من رسول على الغيب ، وذكر هذه العلة لا يقتضي انحصار علل الاطلاع فيها.
وجيء بضمير الإفراد في قوله : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) مراعاة للفظ (رَسُولٍ)،