وروى الطبري عن سعيد بن جبير «قال : لما أنزل الله على نبيئه صلىاللهعليهوسلم (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) [المزمل : ١] مكث النبي صلىاللهعليهوسلم على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه فأنزل الله بعد عشر سنين (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ) إلى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [المزمل : ٢٠] ا ه ، أي نزلت الآيات الأخيرة في المدينة بناء على أن مقام النبي صلىاللهعليهوسلم بمكة كان عشر سنين وهو قول جم غفير.
والروايات عن عائشة مضطربة فبعضها يقتضي أن السورة كلها مكية وأن صدرها نزل قبل آخرها بسنة قبل فرض الصلاة وهو ما رواه الحاكم في نقل صاحب «الإتقان». وذلك يقتضي أن أول السورة نزل بمكة ، وبعض الروايات يقول فيها : إنها كانت تفرش لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حصيرا فصلى عليه من الليل فتسامع الناس فاجتمعوا فخرج مغضبا وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل ونزل (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) [المزمل : ١ ، ٢] فكتبت عليهم بمنزلة الفريضة ومكثوا على ذلك ثمانية أشهر ثم وضع الله ذلك عنهم ، فأنزل (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) إلى (فَتابَ عَلَيْكُمْ) [المزمل : ٢٠] ، فردهم إلى الفريضة ووضع عنهم النافلة. وهذا ما رواه الطبري بسندين إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة ، وهو يقتضي أن السورة كلها مدنية لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يبن بعائشة إلّا في المدينة ، ولأن قولها : «فخرج مغضبا» يقتضي أنه خرج من بيته المفضي إلى مسجده ، ويؤيّده أخبار تثبت قيام الليل في مسجده.
ولعل سبب هذا الاضطراب اختلاط في الروايات بين فرض قيام الليل وبين الترغيب فيه.
ونسب القرطبي إلى «تفسير الثعلبي» قال : قال النخعي في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) كان النبي صلىاللهعليهوسلم متزملا بقطيفة عائشة ، وهي مرط نصفه عليها وهي نائمة ونصفه على النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يصلي ا ه ، وإنما بنى النبي صلىاللهعليهوسلم بعائشة في المدينة ، فالذي نعتمد عليه أن أول السورة نزل بمكة لا محالة كما سنبينه عند قوله تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) [المزمل : ٥] ، وأن قوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ) إلى آخر السورة نزل بالمدينة بعد سنين من نزول أول السّورة لأن فيه ناسخا لوجوب قيام الليل وأنه ناسخ لوجوب قيام الليل على النبي صلىاللهعليهوسلم وأن ما رووه عن عائشة أن أول ما فرض قيام الليل قبل فرض الصلاة غريب.
وحكى القرطبي عن الماوردي : أن ابن عباس وقتادة قالا : إن آيتين وهما (وَاصْبِرْ