معنى التلفف ، والتدثر مشتق من معنى اتخاذ الدثار للتدفؤ. وأصل التزمل مشتق من الزّمل بفتح فسكون وهو الإخفاء ولا يعرف ل (تزمّل) فعل مجرد في معناه فهو من التفعل الذي تنوسي منه معنى التكلف للفعل ، وأريد في إطلاقه معنى شدة التلبس ، وكثر مثل هذا في الاشتمال على اللباس ، فمنه التزمل ومنه التعمّم والتأزّر والتقمّص ، وربما صاغوا له صيغة الافتعال مثل : ارتدى وائتزر.
وأصل (الْمُزَّمِّلُ) : المتزمل ، أدغمت التاء في الزاي بعد قلبها زايا لتقاربهما.
وهذا التزمل الذي أشارت إليه الآية قال الزهري وجمهور المفسرين : إنه التزمل الذي جرى في قول النبي صلىاللهعليهوسلم «زمّلوني زمّلوني»حين نزل من غار حراء بعد أن نزل عليه (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] الآيات كما في حديث عروة عن عائشة في كتاب بدء الوحي من «صحيح البخاري» وإن لم يذكر في ذلك الحديث نزول هذه السورة حينئذ ، وعليه فهو حقيقة.
وقيل : هو ما في حديث جابر بن عبد الله قال : «لما اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا : سمّوا هذا الرجل اسما تصدر الناس عنه (أي صفوة وصفا تتفق عليه الناس) فقالوا : كاهن ، وقالوا : مجنون ، وقالوا : ساحر ، فصدر المشركون على وصفه ب (ساحر) فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فحزن وتزمل في ثيابه وتدثر ، فأتاه جبريل فقال : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) [المدثر : ١].
وسيأتي في سورة المدثر أن سبب نزولها رؤيته الملك جالسا على كرسي بين السماء والأرض فرجع إلى خديجة يرجف فؤاده فقال : «دثروني» ، فيتعين أن سبب ندائه ب (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) كان عند قوله : «زمّلوني» ، فذلك عند ما اغتمّ من وصف المشركين إياه بالجنون وأن ذلك غير سبب ندائه ب (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) في سورة المدثر.
وقيل : هو تزمّل للاستعداد للصلاة فنودي (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) وهذا مروي عن قتادة. وقريب منه عن الضحاك وهي أقوال متقاربة.
ومحملها على أن التزمّل حقيقة ، وقال عكرمة : معناه زمّلت هذا الأمر فقم به ، يريد أمر النبوءة فيكون قوله : (اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) مع قوله : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) [المزمل : ٧] تحريضا على استفراغ جهده في القيام بأمر التبليغ في جميع الأزمان من ليل