الأسنان ، أي المفرق بين أسنانه تفرقا قليلا بحيث لا تكون النواجذ متلاصقة. وأريد بترتيل القرآن ترتيل قراءته ، أي التمهل في النطق بحروف القرآن حتى تخرج من الفم واضحة مع إشباع الحركات التي تستحق الإشباع. ووصفت عائشة الترتيل فقالت : «لو أراد السامع أن يعد حروفه لعدها لا كسردكم هذا».
وفائدة هذا أن يرسخ حفظه ويتلقاه السامعون فيعلق بحوافظهم ، ويتدبر قارئه وسامعه معانيه كيلا يسبق لفظ اللسان عمل الفهم. قال قائل لعبد الله بن مسعود : قرأت المفصل في ليلة فقال عبد الله : «هذّا كهذّ الشعر» لأنهم كانوا إذا أنشدوا القصيدة أسرعوا ليظهر ميزان بحرها ، وتتعاقب قوافيها على الأسماع. والهذّ إسراع القطع.
وأكد هذا الأمر بالمفعول المطلق لإفادة تحقيق صفة الترتيل. وقرأ الجمهور (أَوِ انْقُصْ) بضم الواو للتخلص من التقاء الساكنين عند سقوط همزة الوصل ، حركوا الواو بضمّة لمناسبة ضمة قاف (انْقُصْ) بعدها. وقرأه حمزة وعاصم بكسر الواو على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين.
ووقع في قوله تعالى : (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ) إذا (شبعت) فتحة نون القرآن محسّن الاتّزان بأن يكون مصراعا من بحر الكامل أحذّ دخله الإضمار مرتين.
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥))
تعليل للأمر بقيام الليل وقع اعتراضا بين جملة (قُمِ اللَّيْلَ) [المزمل : ٢] وجملة (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) [المزمل : ٦] ، وهو جملة مستأنفة استئنافا بيانيا لحكمة الأمر بقيام الليل بأنها تهيئة نفس النبي صلىاللهعليهوسلم ليحمل شدة الوحي ، وفي هذا إيماء إلى أن الله يسّر عليه ذلك كما قال تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [القيامة : ١٧] ، فتلك مناسبة وقوع هذه الجملة عقب جملة (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) [المزمل : ٢] فهذا إشعار بأن نزول هذه الآية كان في أول عهد النبي صلىاللهعليهوسلم بنزول القرآن فلما قال له : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) [المزمل : ٤] أعقب ببيان علة الأمر بترتيل القرآن.
والقول الثقيل هو القرآن وإلقاؤه عليه : إبلاغه له بطريق الوحي بواسطة الملك.
وحقيقة الإلقاء : رمي الشيء من اليد إلى الأرض وطرحه ، ويقال : شيء لقى ، أي مطروح ، استعير الإلقاء للإبلاغ دفعة على غير ترقب.