والثقل الموصوف به القول ثقل مجازي لا محالة ، مستعار لصعوبة حفظه لاشتماله على معان ليست من معتاد ما يجول في مدارك قومه فيكون حفظ ذلك القول عسيرا على الرسول الأمّي تنوء الطاقة عن تلقّيه.
وأشعر قوله : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) أن ثقله متعلق ابتداء بالرسول صلىاللهعليهوسلم لقوله قبله : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ) وهو ثقل مجازي في جميع اعتباراته وهو ثقيل صعب تلقيه ممن أنزل عليه. قال ابن عباس : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربّد له جلده» (أي تغير بمثل القشعريرة) وقالت عائشة : «رأته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقا».
ويستعار ثقل القول لاشتماله على معان وافرة يحتاج العلم بها لدقة النظر وذلك بكمال هديه ووفرة معانيه. قال الفراء : «ثقيلا ليس بالكلام السفساف». وحسبك أنه حوى من المعارف والعلوم ما لا يفي العقل بالإحاطة به فكم غاصت فيه أفهام العلماء من فقهاء ومتكلمين وبلغاء ولغويين وحكماء فشابه الشيء الثقيل في أنه لا يقوى الواحد على الاستقلال بمعانيه.
وتأكيد هذا الخبر بحرف التأكيد للاهتمام به وإشعار الرسول صلىاللهعليهوسلم بتأكيد قربه واستمراره ، ليكون وروده أسهل عليه من ورود الأمر المفاجئ.
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦))
تعليل لتخصيص زمن الليل بالقيام فيه فهي مرتبطة بجملة (قُمِ اللَّيْلَ) [المزمل : ٢] ، أي قم الليل لأن ناشئته أشد وطأ وأقوم قيلا.
والمعنى : أن في قيام الليل تزكية وتصفية لسرّك وارتقاء بك إلى المراقي الملكية.
و (ناشِئَةَ) وصف من النشء وهو الحدوث. وقد جرى هذا الوصف هنا على غير موصوف ، وأضيف إلى الليل إضافة على معنى (في) مثل «مكر الليل» ، وجعل من أقوم القيل ، فعلم أن فيه قولا وقد سبقه الأمر بقيام الليل وترتيل القرآن ، فتعين أن موصوفه المحذوف هو صلاة ، أي الصلاة الناشئة في الليل ، فإن الصلاة تشتمل على أفعال وأقوال وهي قيام.
ووصف الصلاة بالناشئة لأنها أنشأها المصلي فنشأت بعد هدأة الليل فأشبهت