كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) على أن القرآن الذي أنزل أولا أكثره إرشاد للنبي صلىاللهعليهوسلم إلى طرائق دعوة الرسالة فلذلك كان غالب ما في هذه السور الأول منه مقتصرا على سن التكاليف الخاصة بالرسول صلىاللهعليهوسلم.
ووصف الله بأنه (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) لمناسبة الأمر بذكره في الليل وذكره في النهار وهما وقتا ابتداء غياب الشمس وطلوعها ، وذلك يشعر بامتداد كل زمان منهما إلى أن يأتي ضده ؛ فيصح أن يكون المشرق والمغرب جهتي الشروق والغروب ، فيكون لاستيعاب جهات الأرض ، أي رب جميع العالم وذلك يشعر بوقتي الشروق والغروب.
ويصح أن يراد بهما وقتا الشروق والغروب ، أي مبدأ ذينك الوقتين ومنتهاهما ، كما يقال : سبحوا لله كلّ مشرق شمس ، وكما يقال : صلاة المغرب.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم وأبو جعفر برفع (رَبُ) على أنه خبر لمبتدإ محذوف حذفا جرى على الاستعمال في مثله مما يسبق في الكلام حديث عنه. ثم أريد الإخبار عنه بخبر جامع لصفاته ، وهو من قبيل النعت المقطوع المرفوع بتقدير مبتدأ. وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وخلف بخفض رب على البدل من (رَبِّكَ).
وعقّب وصف الله ب (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ، بالإخبار عنه أو بوصفه بأنه لا إله إلّا هو لأن تفرده بالإلهية بمنزلة النتيجة لربوبية المشرق والمغرب فلما كانت ربوبيته للعالم لا ينازع فيها المشركون أعقبت بما يقتضي إبطال دعوى المشركين تعدد الآلهة بقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) تعريضا بهم في أثناء الكلام وإن كان الكلام مسوقا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. ولذلك فرع عليه قوله : (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) ، وإذ كان الأمر باتخاذ وكيلا مسببا عن كونه لا إله إلّا هو كان ذلك في قوة النهي عن اتخاذ وكيل غيره ، إذ ليس غيره بأهل لاتخاذه وكيلا.
والوكيل : الذي يوكل إليه الأمور ، أي يفوض إلى تصرفه ، ومن أهم التفويض أمر الانتصار لمن توكل عليه ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم لما بلغه قول المشركين فيه اغتم لذلك ، وقد روي أن ذلك سبب تزمله من موجدة الحزن فأمره الله بأن لا يعتمد إلّا عليه ، وهذا تكفل بالنصر ولذلك عقب بقوله : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) [المزمل : ١٠].
(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠))
عطف على قوله : (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [المزمل : ٩] ، والمناسبة أن الصبر على الأذى