والتكبر بخلاف حال أهل الأديان أتباع الرسل الذين كانوا على دين فهم يخشون إن أهملوه أن لا يغني عنهم الدين الجديد شيئا فكانوا إلى المعذرة أقرب لو لا أن الأدلة بعضها أقوى من بعض.
وذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا) من [سورة الطور: ٣٢] عن كتاب الحكيم الترمذي أنه أخرج حديثا «أن رجلا قال : يا رسول الله ما أعقل فلانا النصراني ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : مه ، إن الكافر لا عقل له أما سمعت قول الله تعالى : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) قال وفي حديث ابن عمر فزجره النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : «مه إن العاقل من يعمل بطاعة الله» ولم أقف عليه فيما رأيت من كتب التفسير ولم يذكره السيوطي في التفسير بالمأثور في سورة الطور ولا في سورة الملك.
ويؤخذ من هذه الآية أن قوام الصلاح في حسن التلقي وحسن النظر وأن الأثر والنظر ، أي القياس هما أصلا الهدى ، ومن العجيب ما ذكره صاحب «الكشاف» : أن من المفسرين من قال : إن المراد من الآية : لو كنا على مذهب أصحاب الحديث أو على مذهب أصحاب الرأي. ولم أقف على تعيين من فسر الآية بهذا ولا أحسبه إلّا من قبيل الاسترواح.
و (أَوْ) للتقسيم وهو تقسيم باعتبار نوعي الأحوال التي تقتضي حسن الاستماع تارة إذا ألقي إليها إرشاد ، وحسن التفهم والنظر تارة إذا دعيت إلى النظر من داع غير أنفسها ، أو من دواعي أنفسها ، قال تعالى : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) [الزمر : ١٧ ـ ١٨].
ووجه تقديم السمع على العقل أن العقل بمنزلة الكليّ والسمع بمنزلة الجزئي ورعيا للترتيب الطبيعي لأن سمع دعوة النذير هو أول ما يتلقاه المنذرون ، ثم يعملون عقولهم في التدبر فيها.
(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١))
الفاء الأولى فصيحة ، والتقدير : إذ قالوا بذلك فقد تبين أنهم اعترفوا هنالك بذنبهم ، أي فهم محقوقون بما هم فيه من العذاب.
والسحق : اسم مصدر معناه البعد ، وهو هنا نائب عن الإسحاق لأنه دعاء بالإبعاد فهو مفعول مطلق نائب عن فعله ، أي أسحقهم الله إسحاقا ، ويجوز أن يراد من هذا الدعاء