من هنا يبتدئ ما نزل من هذه السورة بالمدينة كما تقدم ذكره في أول السورة.
وصريح هذه الآية ينادي على أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقوم من الليل قبل نزول الآية وأن طائفة من أصحابه كانوا يقومون عملا بالأمر الذي في أول السورة من قوله : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) الآية [المزمل : ٢] ، فتعين أن هذه الآية نزلت للتخفيف عنهم جميعا لقوله فيها : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) فهي ناسخة للأمر الذي في أول السورة.
واختلف السلف في وقت نزولها ومكانه وفي نسبة مقتضاها من مقتضى الآية التي قبلها. والمشهور الموثوق به أن صدر السورة نزل بمكة.
ولا يغتر بما رواه الطبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة مما يوهم أن صدر السورة نزل بالمدينة. ومثله ما روي عن النخعي في التزمل بمرط لعائشة.
ولا ينبغي أن يطال القول في أنّ القيام الذي شرع في صدر السورة كان قياما واجبا على النبي صلىاللهعليهوسلم خاصة ، وأن قيام من قام من المسلمين معه بمكة إنما كان تأسيا به وأقرهم النبي صلىاللهعليهوسلم عليه ولكن رأت عائشة أن فرض الصلوات الخمس نسخ وجوب قيام الليل ، وهي تريد أن قيام الليل كان فرضا على المسلمين ، وهو تأويل ، كما لا ينبغي أن يختلف في أن أول ما أوجب الله على الأمة هو الصلوات الخمس التي فرضت ليلة المعراج وأنها لم يكن قبلها وجوب صلاة على الأمة ولو كان لجرى ذكر تعويضه بالصلوات الخمس في حديث المعراج ، وأن وجوب الخمس على النبي صلىاللهعليهوسلم مثل وجوبها على المسلمين. وهذا قول ابن عباس لأنه قال : إن قيام الليل لم ينسخه إلّا آية : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) الآية ، ولا أن يختلف في أن فرض الصلوات الخمس لم ينسخ فرض القيام على النبي صلىاللهعليهوسلم سوى أنه نسخ استيعاب نصف الليل أو دونه بقليل فنسخه (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ).
وقد بين ذلك حديث ابن عباس ليلة بات في بيت خالته ميمونة أم المؤمنين قال فيه :«نام رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأهله حتى إذا كان نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله» ثم وصف وضوءه وأنه صلى ثلاث عشرة ركعة ثم نام حتى جاءه المنادي لصلاة الصبح. وابن عباس يومئذ غلام فيكون ذلك في حدود سنة سبع أو ثمان من الهجرة.
ولم ينقل أن المسلمين كانوا يقومون معه إلّا حين احتجز موضعا من المسجد لقيامه