وقوله : (ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) أي ما تيسر لكم من صلاة الليل فلا دلالة في هذه الآية على مقدار ما يجزئ من القراءة في الصلاة إذ ليس سياقها في هذا المهيع ، ولئن سلمنا ، فإن ما تيسر مجمل وقد بينه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، وأما السورة مع الفاتحة فإنه لم يرو عنه أنه قرأ في الصلاة أقلّ من سورة ، وهو الواجب عند جمهور الفقهاء ، فيكره أن يقرأ المصلي بعض سورة في الفريضة. ويجوز في القيام بالقرآن في الليل وفي قيام رمضان ، وعند الضرورة ، ففي «الصحيح» «أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقرأ فأخذته بحّة فركع» ، أي في أثناء السّورة.
وقال أبو حنيفة وأحمد في رواية عنه : تجزئ قراءة آية من القرآن ولو كانت قصيرة ومثّله الحنفية بقوله تعالى : (مُدْهامَّتانِ) [الرحمن : ٦٤] ولا تتعين فاتحة الكتاب وخالفه صاحباه في الأمرين.
وتعيين من تجب عليه القراءة من منفرد وإمام ومأموم مبين في كتب الفقه.
وفعل (تاب) إذا أريد به قبول توبة التائب عدي بحرف (على) لتضمينه معنى منّ وإذا كان بمعنى الرجوع عن الذنب والندم منه عدي بما يناسب.
وقد نسخت هذه الآية تحديد مدة قيام الليل بنصفه أو أزيد أو أقل من ثلثه ، وأصحاب التحديد بالمقدار المتيسر من غير ضبط ، أما حكم ذلك القيام فهو على ما تقدم شرحه.
(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً).
هذه الجملة بدل اشتمال من جملة (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) ، وهذا تخفيف آخر لأجل أحوال أخرى اقتضت التخفيف.
وهذه حكمة أخرى لنسخ تحديد الوقت في قيام الليل وهي مراعاة أحوال طرأت على المسلمين من ضروب ما تدعو إليه حالة الجماعة الإسلامية. وذكر من ذلك ثلاثة أضرب هي أصول الأعذار :
الضرب الأول : أعذار اختلال الصحة وقد شملها قوله : (أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى).
الضرب الثاني : الأشغال التي تدعو إليها ضرورة العيش من تجارة وصناعة وحراثة