فمعنى (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) : صف ربّك بصفات التعظيم ، وهذا يشمل تنزيهه عن النقائص فيشمل توحيده بالإلهية وتنزيهه عن الولد ، ويشمل وصفه بصفات الكمال كلها.
ومعنى (كبّر) : كبره في اعتقادك : وكبره بقولك تسبيحا وتعليما. ويشمل هذا المعنى أن يقول : «الله أكبر» لأنه إذا قال هذه الكلمة أفاد وصف الله بأنه أكبر من كل كبير ، أي أجلّ وأنزه من كل جليل ، ولذلك جعلت هذه الكلمة افتتاحا للصلاة.
وأحسب أن في ذكر التكبير إيماء إلى شرع الصلاة التي أولها التكبير وخاصة اقترانه بقوله : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر : ٤] فإنه إيماء إلى شرع الطهارة ، فلعل ذلك إعداد لشرع الصلاة. ووقع في رواية معمر عن الزهري عند مسلم أن قال : وذلك قبل أن تفرض الصلاة. فالظاهر أن الله فرض عليه الصلاة عقب هذه السورة وهي غير الصلوات الخمس فقد ثبت أنه صلى في المسجد الحرام.
(وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤))
هو في النظم مثل نظم (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) [المدثر : ٣] أي لا تترك تطهير ثيابك.
وللثياب إطلاق صريح وهو ما يلبسه اللابس ، وإطلاق كنائي فيكنى بالثياب عن ذات صاحبها ، كقول عنترة :
فشككت بالرمح الأصم ثيابه
كناية عن طعنه بالرمح.
وللتطهير إطلاق حقيقي وهو التنظيف وإزالة النجاسات وإطلاق مجازي وهو التزكية قال تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣].
والمعنيان صالحان في الآية فتحمل عليهما معا فتحصل أربعة معان لأنه مأمور بالطهارة الحقيقية لثيابه إبطالا لما كان عليه أهل الجاهلية من عدم الاكتراث بذلك. وقد وردت أحاديث في ذلك يقوّي بعضها بعضا وأقواها ما رواه الترمذي «إن الله نظيف يحب النظافة». وقال : هو غريب.
والطهارة لجسده بالأولى.