الأمر بالصدقة والإكثار منها بطريق الكناية فكأنه قال : وتصدق وأكثر من الصدقة ولا تمنن ، أي لا تعدّ ما أعطيته كثيرا فتمسك عن الازدياد فيه ، أو تتطرق إليك ندامة على ما أعطيت.
والسين والتاء في قوله : (تَسْتَكْثِرُ) للعدّ ، أي بعد ما أعطيته كثيرا.
وهذا من بديع التأكيد لحصول المأمور به جعلت الصدقة كالحاصلة ، أي لأنها من خلقه صلىاللهعليهوسلم إذ كان أجود الناس وقد عرف بذلك من قبل رسالته لأن الله هيأه لمكارم الأخلاق فقد قالت له خديجة في حديث بدء الوحي «إنك تحمل الكل وتكسب المعدوم». ففي هذه الآية إيماء إلى التصدق ، كما كان فيها إيماء إلى الصلاة ، ومن عادة القرآن الجمع بين الصلاة والزكاة.
والمنّ : تذكير المنعم المنعم عليه بإنعامه.
والاستكثار : عدّ الشيء كثيرا ، أي لا تستعظم ما تعطيه.
وهذا النهي يفيد تعميم كل استكثار كيفما كان ما يعطيه من الكثرة. وللأسبقين من المفسرين تفسيرات لمعنى (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) ليس شيء منها بمناسب ، وقد أنهاها القرطبي إلى أحد عشر.
و (تَسْتَكْثِرُ) جملة في موضع الحال من ضمير (تَمْنُنْ) وهي حال مقدرة.
(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧))
تثبيت للنبي صلىاللهعليهوسلم على تحمل ما يلقاه من أذى المشركين وعلى مشاقّ الدعوة.
والصبر : ثبات النفس وتحملها المشاق والآلام ونحوها.
ومصدر الصبر وما يشتق منه يتضمن معنى التحمّل للشيء الشاقّ.
ويعدّى فعل الصبر إلى اسم الذي يتحمله الصابر بحرف (على) ، يقال : صبر على الأذى. ويتضمن معنى الخضوع للشيء الشاق فيعدى إلى اسم ما يتحمله الصابر باللام. ومناسبة المقام ترجح إحدى التعديتين ، فلا يقال : اصبر على الله ، ويقال : اصبر على حكم الله ، أو لحكم الله. فيجوز أن تكون اللام في قوله (لِرَبِّكَ) لتعدية فعل الصبر على تقدير مضاف ، أي اصبر لأمره وتكاليف وحيه كما قال : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) في