كهانة ، مع تحققه بأنه ليس في شيء من ذلك كما أعلن به لقريش ، قبل أن يلومه أبو جهل ثم أخذه بأحد تلك الثلاثة ، وهو أن يقول : هو سحر ، تشبثا بأن فيه خصائص السحر من التفريق بين المرء ومن هو شديد الصلة.
[١٧ ـ ٢٥] (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥))
جملة (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) معترضة بين (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) [المدثر : ١٦] وبين (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) ، قصد بهذا الاعتراض تعجيل الوعيد له مساءة له وتعجيل المسرة للنبي صلىاللهعليهوسلم.
وجملة (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) مبيّنة لجملة (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) فهي تكملة وتبيين لها.
والإرهاق : الإتعاب وتحميل ما لا يطاق ، وفعله رهق كفرح ، قال تعالى : (وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) في سورة الكهف [٧٣].
والصّعود : العقبة الشديدة التّصعد الشاقة على الماشي وهي فعول مبالغة من صعد ، فإن العقبة صعدة ، فإذا كانت عقبة أشد تصعدا من العقبات المعتادة قيل لها : صعود.
وكأنّ أصل هذا الوصف أن العقبة وصفت بأنها صاعدة على طريقة المجاز العقلي ثم جعل ذلك الوصف اسم جنس لها.
وقوله : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) تمثيل لضد الحالة المجملة في قوله : (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) [المدثر : ١٤] ، أي سينقلب حاله من حال راحة وتنعم إلى حالة سوأى في الدنيا ثم إلى العذاب الأليم في الآخرة ، وكل ذلك إرهاق له.
قيل : إنه طال به النزع فكانت تتصاعد نفسه ثم لا يموت وقد جعل له من عذاب النار ما أسفر عنه عذاب الدنيا.
وقد وزع وعيده على ما تقتضيه أعماله فإنه لما ذكر عناده وهو من مقاصده السيئة الناشئة عن محافظته على رئاسته وعن حسده النبي صلىاللهعليهوسلم وذلك من الأغراض الدنيوية عقّب بوعيده بما يشمل عذاب الدنيا ابتداء. ولما ذكر طعنه في القرآن بقوله : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) وأنكر أنه وحي من الله بقوله : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) أردف بذكر عذاب الآخرة بقوله : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) [المدثر : ٢٦].