ضميرين عائدين إلى ما عاد إليه ضمير (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، فيكون (مَنْ) الموصولة صادقة على المخلوقين وحذف العائد من الصلة لأنه ضمير نصب يكثر حذفه. والتقدير : من خلقهم.
ويجوز أن يكون (مَنْ خَلَقَ) فاعل (يَعْلَمُ) والمراد الله تعالى ، وحذف مفعول (يَعْلَمُ) لدلالة قوله : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ). والتقدير : ألا يعلم خالقكم سركم وجهركم وهو الموصوف بلطيف خبير.
والعلم يتعلق بذوات الناس وأحوالهم لأن الخلق إيجاد وإيجاد الذوات على نظام مخصوص دال على إرادة ما أودع فيه من النظام وما ينشأ عن قوى ذلك النظام ، فالآية دليل على عموم علمه تعالى ولا دلالة فيها على أنه تعالى خالق أفعال العباد للانفكاك الظاهر بين تعلق العلم وتعلق القدرة.
وجملة (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الأحسن أن تجعل عطفا على جملة (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) لتفيد تعليما للناس بأن علم الله محيط بذوات الكائنات وأحوالها فبعد أن أنكر ظنهم انتفاء على الله بما يسرون ، أعلمهم أنه يعلم ما هو أعم من ذلك وما هو أخفى من الإسرار من الأحوال.
و (اللَّطِيفُ) : العالم خبايا الأمور والمدبر لها برفق وحكمة.
و (الْخَبِيرُ) : العليم الذي لا تعزب عنه الحوادث الخفية التي من شأنها أن يخبر الناس بعضهم بعضا بحدوثها فلذلك اشتق هذا الوصف من مادة الخبر ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) في الأنعام [١٠٣] وعند قوله : (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) في سورة لقمان [١٦].
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥))
استئناف فيه عود إلى الاستدلال ، وإدماج للامتنان ، فإن خلق الأرض التي تحوي الناس على وجهها أدل على قدرة الله تعالى وعلمه من خلق الإنسان إذ ما الإنسان إلّا جزء من الأرض أو كجزء منها قال تعالى : (مِنْها خَلَقْناكُمْ) [طه : ٥٥] ، فلما ضرب لهم بخلق أنفسهم دليلا على علمه الدال على وحدانيته شفّعه بدليل خلق الأرض التي هم عليها ، مع