ملك فلعل هذه الدركات معيّن كل درك منها لأهل شعبة من شعب الكفر ، ومنها الدرك الأسفل الذي ذكره الله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) في سورة النساء [١٤٥] فإن الكفر أصناف منها إنكار وجود الله ، ومنها الوثنية ، ومنها الشرك بتعدد الإله ، ومنها عبادة الكواكب ، ومنها عبادة الشيطان والجن ، ومنها عبادة الحيوان ، ومنها إنكار رسالة الرسل ، ومنها المجوسية المانوية والمزدكية والزندقة ، وعبادة البشر مثل الملوك ، والإباحية ولو مع إثبات الإله الواحد.
وفي ذكر هذا العدد تحدّ لأهل الكتابين يبعثهم على تصديق القرآن إذ كان ذلك مما استأثر به علماؤهم كما سيأتي قوله : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [المدثر : ٣١].
وقرأ الجمهور (تِسْعَةَ عَشَرَ) بفتح العين من (عَشَرَ). وقرأ أبو جعفر تسعة عشر بسكون العين من (عَشَرَ) تخفيفا لتوالي الحركات فيما هو كالاسم الواحد ، ولا التفات إلى إنكار أبي حاتم هذه القراءة فإنها متواترة.
(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١))
(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً).
روى الطبري عن ابن عباس وجابر بن زيد : «أن أبا جهل لما سمع قوله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر : ٣٠] قال لقريش : ثكلتكم أمهاتكم إن ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدّهم (١) أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟ فقال الله تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) ، أي ما جعلناهم رجالا فيأخذ كل رجل رجلا ، فمن ذا يغلب الملائكة ا ه.
وفي «تفسير القرطبي» عن السدي : أن أبا الأشدّ بن كلدة الجمحي قال مستهزئا : لا
__________________
(١) الدّهم بفتح الدال وسكون الهاء : الجماعة الكثيرة ، ويقال : الدهماء.