للمسلمين وتنبيها للنّظر في تحصيل ما ينفع نفوسهم.
ووجه الشبه هو السببية في اهتداء من يهتدي وضلال من يضل ، في أن كلّا من المشبّه والمشبه به جعله الله سببا وإرادة لحكمة اقتضاها علمه تعالى فتفاوت الناس في مدى إفهامهم فيه بين مهتد ومرتاب مختلف المرتبة في ريبه ، ومكابر كافر وسيّئ فهم كافر.
وهذه كلمة عظيمة في اختلاف تلقي العقول للحقائق وانتفاعهم بها أو ضده بحسب اختلاف قرائحهم وفهومهم وتراكيب جبلاتهم المتسلسلة من صواب إلى مثله ، أو من تردد واضطراب إلى مثله ، أو من حنق وعناد إلى مثله ، فانطوى التشبيه من قوله : (كَذلِكَ) على أحوال وصور كثيرة تظهر في الخارج.
وإسناد الإضلال إلى الله تعالى باعتبار أنه موجد الأسباب الأصلية في الجبلات ، واقتباس الأهواء وارتباط أحوال العالم بعضها ببعض ، ودعوة الأنبياء والصلحاء إلى الخير ، ومقاومة أئمة الضلال لتلك الدعوات. تلك الأسباب التي أدت بالضالين إلى ضلالهم وبالمهتدين إلى هداهم. وكلّ من خلق الله. فما على الأنفس المريدة الخير والنجاة إلّا التعرض لأحد المهيعين بعد التجرد والتدبر (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦].
ومشيئة الله ذلك تعلق علمه بسلوك المهتدين والضالّين.
ومحل (كَذلِكَ) نصب بالنيابة عن المفعول المطلق لأن الجار والمجرور هنا صفة لمصدر محذوف دلّت عليه الصفة ، والتقدير : يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء إضلالا وهديا كذلك الإضلال والهدي. وليس هذا من قبيل قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣].
وقدم وصف المفعول المطلق للاهتمام بهذا التشبيه لما يرشد إليه من تفصيل عند التدبر فيه ، وحصل من تقديمه محسّن الجمع ثم التقسيم إذ جاء تقسيمه بقوله (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ).
(وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ).
كلمة جامعة لإبطال التخرصات التي يتخرصها الضالون ومرضى القلوب عند سماع