وجوّز الزجاج أن يكون الضمير راجعا إلى نار الدنيا ، أي أنها تذكر للناس بنار الآخرة ، يريد أنه من قبيل قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) [الواقعة : ٧١ ـ ٧٣]. وفيه محسن الاستخدام.
وقيل : المعنى : وما عدتهم إلّا ذكرى للناس ليعلموا غنى الله عن الأعوان والجند فلا يظلوا في استقلال تسعة عشر تجاه كثرة أهل النار.
وإنما حملت الآية هذه المعاني بحسن موقعها في هذا الموضع وهذا من بلاغة نظم القرآن. ولو وقعت إثر قوله : (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) [المدثر : ٢٩] لتمحض ضمير (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى) للعود إلى سقر ، وهذا من الإعجاز بمواقع جمل القرآن كما في المقدمة العاشرة من مقدمات هذا التفسير.
وبين لفظ البشر المذكور هنا ولفظ البشر المتقدم في قوله : (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) التّجنيس التام.
[٣٢ ـ ٣٧] (كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧))
(كَلَّا).
(كَلَّا) حرف ردع وإبطال. والغالب أن يقع بعد كلام من متكلم واحد أو من متكلم وسامع مثل قوله تعالى : (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء : ٦١ ، ٦٢] فيفيد الردع عما تضمنه الكلام المحكي قبله. ومنه قوله تعالى : (كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ) في سورة مريم [٧٩] ، ويجوز تقديمه على الكلام إذا أريد التعجيل بالردع والتشويق إلى سماع ما بعده ، وهو هنا محتمل لأن يكون إبطالا لما قبله من قولهم : فإذا أراد الله بهذا مثلا ، فيكون ما بينهما اعتراضا ويكون قوله (وَالْقَمَرِ) ابتداء كلام فيحسن الوقف على (كَلَّا). ويحتمل أن يكون حرف إبطال مقدما على الكلام الذي بعده من قوله : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَرِ) تقديم اهتمام لإبطال ما يجيء بعده من مضمون قوله : (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) ، أي من حقهم أن ينتذروا بها فلم ينتذر أكثرهم على نحو معنى قوله : (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) [الفجر : ٢٣] فيحسن أن توصل في القراءة بما بعدها.
أدبر (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ