وقرأ نافع ويعقوب وما تذكرون بمثناة فوقية على الالتفات ، وقرأه الجمهور بتحتية على الغيبة ، فالمعنى أنهم يغلب عليهم الاستمرار على عدم الذكرى بهذه التذكرة إلّا أن يشاء الله التوفيق لهم ويلطف بهم فيخلق انقلابا في سجيّة من يشاء توفيقه واللطف به. وقد شاء الله ذلك فيمن آمنوا قبل نزول هذه الآية ومن آمنوا بعد نزولها.
(هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ).
جملة واقعة موقع التعليل لمضمون جملة (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) تقوية للتعريض بالترغيب في التذكر والتذكر يفضي إلى التقوى.
فالمعنى : فعليكم بالتذكر واتقوا الله تعالى لأن الله هو أهل للتقوى.
وتعريف جزأي الجملة في قوله : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) يفيد قصر مستحق اتقاء العباد إياه على الله تعالى وأن غيره لا يستحق أن يتّقى. ويتجنب غضبه كما قال : (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) [الأحزاب : ٣٧].
فإما أن يكون القصر قصرا إضافيا للرد على المشركين الذين يخشون غضب الأصنام ويطلبون رضاها أو يكون قصرا ادعائيا لتخصيصه تعالى بالتقوى الكاملة الحق وإلّا فإن بعض التقوى مأمور بها كتقوى حقوق ذوي الأرحام في قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] وقد يقال : إن ما ورد الأمر به من التقوى في الشريعة راجع إلى تقوى الله ، وهذا من متممات القصر الادعائي.
وأهل الشيء : مستحقه.
وأصله : أنه ملازم الشيء وخاصته وقرابته وزوجه ومنه (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) [هود : ٨١].
ومعنى (أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) : أن المغفرة من خصائصه وأنه حقيق بأن يغفر لفرط رحمته وسعة كرمه وإحسانه ومنه بيت «الكشاف» في سورة المؤمنين :
ألا يا ارحموني يا إله محمّد |
|
فإن لم أكن أهلا فأنت له أهل |
وهذا تعريض بالتحريض للمشركين أن يقلعوا عن كفرهم بأن الله يغفر لهم ما أسلفوه قال تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] ، وبالتحريض للعصاة أن يقلعوا عن الذنوب قال تعالى (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر : ٥٣].