(أَلَّنْ نَجْمَعَ) ، أي بل نجمعها في حال قدرتنا على أن نسوي بنانه.
ويجوز أن يكون (بَلى) إبطالا للنفيين : النفي الذي أفاده الاستفهام الإنكاري من قوله (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) والنفي الذي في مفعول (يَحْسَبُ) ، وهو إبطال بزجر ، أي بل ليحسبنا قادرين ، لأن مفاد (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) أن لا نقدر على جمع عظامه فيكون (قادِرِينَ) مفعولا ثانيا ليحسبنا المقدر ، وعدل في متعلق (قادِرِينَ) عن أن يقال : قادرين على جمع عظامه إلى قادرين على أن نسوي بنانه لأنه أوفر معنى وأوفق بإرادة إجمال كيفية البعث والإعادة.
ولمراعاة هذه المعاني عدل عن رفع : قادرون ، بتقدير : نحن قادرون ، فلم يقرأ بالرفع.
والتسوية : تقويم الشيء وإتقان الخلق قال تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) [الشمس: ٧] وقال في هذه السورة : (فَخَلَقَ فَسَوَّى) [القيامة : ٣٨]. وأريد بالتسوية إعادة خلق البنان مقوّمة متقنة ، فالتسوية كناية عن الخلق لأنها تستلزمه فإنه ما سوّي إلّا وقد أعيد خلقه قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) [الأعلى : ٢].
والبنان : أصابع اليدين والرجلين أو أطراف تلك الأصابع. وهو اسم جمع بنانة.
وإذ كانت هي أصغر الأعضاء الواقعة في نهاية الجسد كانت تسويتها كناية عن تسوية جميع الجسد لظهور أن تسوية أطراف الجسد تقتضي تسوية ما قبلها كما تقول : قلعت الريح أوتاد الخيمة كناية عن قلعها الخيمة كلّها فإنه قد يكنّى بأطراف الشيء عن جميعه.
ومنه قولهم : لك هذا الشيء بأسره ، أي مع الحبل الذي يشد به ، كناية عن جميع الشيء. وكذلك قولهم : هو لك برمته ، أي بحبله الذي يشد به.
(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥))
(بَلْ) إضراب انتقالي إلى ذكر حال آخر من أحوال فجورهم ، فموقع الجملة بعد (بَلْ) بمنزلة الاستئناف الابتدائي للمناسبة بين معنى الجملتين ، أي لمّا دعوا إلى الإقلاع عن الإشراك وما يستدعيه من الآثام وأنذروا بالعقاب عليه يوم القيامة كانوا مصممين على الاسترسال في الكفر.
والفجور : فعل السوء الشديد ويطلق على الكذب ، ومنه وصفت اليمين الكاذبة