الشرعيين لم يكن مذموما. قال تعالى فيما حكاه عن الذين أوتوا العلم من قوم قارون (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) [القصص : ٧٧].
ويجوز أن يكون إبطالا لما تضمنه قوله : (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) [القيامة : ١٥] فهو استئناف ابتدائي. والمعنى : أن معاذيرهم باطلة ولكنهم يحبون العاجلة ويذرون الآخرة ، أي آثروا شهواتهم العاجلة ولم يحسبوا للآخرة حسابا.
وقرأ الجمهور (تُحِبُّونَ) و (تَذَرُونَ) بتاء فوقية على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في موعظة المشركين مواجهة بالتفريع لأن ذلك أبلغ فيه. وقرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بياء تحتية على نسق ضمائر الغيبة السابقة ، والضمير عائد إلى (الْإِنْسانُ) في قوله : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) [القيامة : ١٤] جاء ضمير جمع لأن الإنسان مراد به الناس المشركون ، وفي قوله : (بَلْ تُحِبُّونَ) ما يرشد إلى تحقيق معنى الكسب الذي وفق إلى بيانه الشيخ أبو الحسن الأشعري وهو الميل والمحبة للفعل أو الترك.
[٢٢ ـ ٢٥] (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥))
المراد ب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة الذي تكرر ذكره بمثل هذا ابتداء من قوله : (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) [القيامة : ١٠] ، وأعيد مرتين.
والجملة المقدرة المضاف إليها (إذ) ، والمعوّض عنها التنوين تقديرها : يوم إذ برق البصر.
وقد حصل من هذا تخلص إلى إجمال حال الناس يوم القيامة بين أهل سعادة وأهل شقاوة.
فالوجوه الناضرة وجوه أهل السعادة والوجوه الباسرة وجوه أهل الشقاء ، وذلك بين من كلتا الجملتين.
وقد علم الناس المعنيّ بالفريقين مما سبق نزوله من القرآن كقوله في سورة عبس [٤٠ ـ ٤٢] : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) فعلم أن أصل أسباب السعادة الإيمان بالله وحده وتصديق رسوله صلىاللهعليهوسلم والإيمان بما جاء به