القتال [٢٠ ، ٢١] على أحد تأويلين يجعل (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) مستأنفا وليس فاعلا لاسم التفضيل ، وذهب أبو علي الفارسي إلى أن (أَوْلى) علم لمعنى الويل وأن وزنه أفعل من الويل وهو الهلاك ، فأصل تصريفه أويل لك ، أي أشدّ هلاكا لك فوقع فيه القلب (لطلب التخفيف) بأن أخرت الياء إلى آخر الكلمة وصار أولى بوزن أفلح ، فلما تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله قلب ألفا فقالوا : أولى في صورة وزن فعلى.
والكاف خطاب للإنسان المصرح به غير مرة في الآيات السابقة بطريق الغيبة إظهارا وإضمارا ، وعدل هنا عن طريق الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات لمواجهة الإنسان بالدعاء لأن المواجهة أوقع في التوبيخ ، وكان مقتضى الظاهر أن يقال : أولى له.
وقوله : (فَأَوْلى) تأكيد ل (أَوْلى لَكَ) جيء فيه بفاء التعقيب للدلالة على أنه يدعي عليه بأن يعقبه المكروه ويعقب بدعاء آخر.
قال قتادة : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج من المسجد فاستقبله أبو جهل على باب بني مخزوم فأخذ رسول الله فلبّب أبا جهل بثيابه وقال له (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) قال أبو جهل : يتهددني محمد (أي يستعمل كلمة الدعاء في إرادة التهديد) فو الله إني لأعزّ أهل الوادي. وأنزل الله تعالى (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى كما قال لأبي جهل.
وقوله : (ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) تأكيد للدعاء عليه ولتأكيده السابق.
وجيء بحرف (ثُمَ) لعطف الجملة دلالة على أن هذا التأكيد ارتقاء في الوعيد ، وتهديد بأشدّ مما أفاده التهديد الأول وتأكيده كقوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) [التكاثر : ٣ ، ٤].
وأحسب أن المراد : كلّ إنسان كافر كما يقتضيه أول الكلام من قوله (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) إلى قوله : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) [القيامة : ٣ ـ ١٤] ، وما أبو جهل إلّا من أولهم ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم توعده باللفظ الذي أنزله الله تهديدا لأمثاله.
وكلمات المتقدمين في كون الشيء سبب نزول شيء من القرآن كلمات فيها تسامح.
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦))
استئناف ابتدائي عاد به الكلام إلى الاستدلال على إمكان البعث وهو ما ابتدئ به فارتبط بقوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) [القيامة : ٣] فكأنه قيل : أيحسب أن