(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨))
بعد أن وجه الله إليهم الخطاب تذكيرا واستدلالا وامتنانا وتهديدا وتهويلا ابتداء من قوله : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) [الملك : ١٣] التفت عن خطابهم إلى الإخبار عنهم بحالة الغيبة ، تعريضا بالغضب عليهم بما أتوه من كل تكذيب الرسولصلىاللهعليهوسلم ، فكانوا جديرين بإبعادهم عزّ الحضور للخطاب ، فلذلك لم يقل (ولقد كذب الذين من قبلكم) ولم يقطع توجيه التذكير إليهم والوعيد لعلهم يتدبرون في أن الله لم يدخرهم نصحا.
فالجملة عطف على جملة (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) [الملك : ١٧] لمناسبة أن مما عوقب به بعض الأمم المكذبين من خسف أو إرسال حجارة من السماء وهم قوم لوط ، ومنهم من خسف بهم مثل أصحاب الرس.
ولك أن تجعل الواو للحال ، أي كيف تأمنون ذلك عند ما تكذبون الرسول في حال أنه قد كذب الذين من قبلكم فهل علمتم ما أصابهم على تكذيبهم الرسل.
ضرب الله لهم مثلا بأمم من قبلهم كذبوا الرسل فأصابهم من الاستئصال ما قد علموا أخباره لعلّهم أن يتّعظوا بقياس التمثيل إن كانت عقولهم لم تبلغ درجة الانتفاع بأقيسة الاستنتاج ، فإن المشركين من العرب عرفوا آثار عاد وثمود وتناقلوا أخبار قوم نوح وقوم لوط وأصحاب الرسّ وفرع (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) استفهاما تقريريا وتنكيريا وهو كناية عن تحقيق وقوعه وأنه وقع في حال فظاعة.
وقد أكد الخبر باللام و (قد) لتنزيل المعرّض بهم منزلة من يظن أن الله عاقب الذين من قبلهم لغير جرم أو لجرم غير التكذيب. فهو مفرع على المؤكد ، فالمعنى : لقد كذب الذين من قبلهم ولقد كان نكيري عليهم بتلك الكيفية.
و (نَكِيرِ) ؛ أصله نكيري بالإضافة إلى ياء المتكلم المحذوفة تخفيفا ، كما في قوله : (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك : ١٧] ، والمعنى : كيف رأيتم أثر نكيري عليهم فاعلموا أن نكيري عليكم صائر بكم إلى مثل ما صار بهم نكيري عليهم.
والمراد بالنكير المنظر بنكير الله على الذين من قبلهم ، ما أفاده استفهام الإنكار في قوله : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) [الملك : ١٦] وقوله : (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) [الملك : ١٧].