آمَنُوا) الآية [العصر : ٢ ، ٣] ، أي هل أتى على كل إنسان حين كان فيه معدوما.
و (الدَّهْرِ) : الزمان الطويل أو الزمان المقارن لوجود العالم الدنيوي.
والحين : مقدار مجمل من الزمان يطلق على ساعة وعلى أكثر ، وقد قيل إن أقصى ما يطلق عليه الحين أربعون سنة ولا أحسبه.
وجملة (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) يجوز أن تكون نعتا ل (حِينٌ) بتقدير ضمير رابط بمحذوف لدلالة لفظ (حِينٌ) على أن العائد مجرور بحرف الظرفية حذف مع جاره كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨] إذ التقدير : لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا ، فالتقدير هنا : لم يكن فيه الإنسان شيئا مذكورا ، أي كان معدوما في زمن سبق.
ويجوز أن تكون الجملة حالا من (الْإِنْسانِ) ، وحذف العائد كحذفه في تقدير النعت.
والشيء : اسم للموجود.
والمذكور : المعيّن الذي هو بحيث يذكر ، أي يعبّر عنه بخصوصه ويخبر عنه بالأخبار والأحوال. ويعلّق لفظه الدال عليه بالأفعال.
فأمّا المعدوم فلا يذكر لأنه لا تعيّن له فلا يذكر إلّا بعنوانه العام كما تقدّم آنفا ، وليس هذا هو المراد بالذّكر هنا.
ولهذا نجعل (مَذْكُوراً) وصفا ل (شَيْئاً) ، أريد به تقييد (شَيْئاً) ، أي شيئا خاصا وهو الموجود المعبر عنه باسمه المعيّن له.
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢))
استئناف بياني مترتب على التقرير الذي دل عليه (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [الإنسان : ١] لما فيه من التشويق.
والتقرير يقتضي الإقرار بذلك لا محالة لأنه معلوم بالضرورة ، فالسامع يتشوف لما يرد بعد هذا التقرير فقيل له : إن الله خلقه بعد أن كان معدوما فأوجد نطفة كانت معدومة ثم استخرج منها إنسانا ، فثبت تعلّق الخلق بالإنسان بعد عدمه.