وهذا التمثيل ينحل إلى تشبيهات أجزاء الحالة المركّبة المشبّهة بأجزاء الحالة المشبّه بها ، فالله تعالى كالهادي ، والإنسان يشبه السائر المتحير في الطريق ، وأعمال الدين تشبه الطريق ، وفوز المتتبع لهدي الله يشبه البلوغ إلى المكان المطلوب.
وفي هذا نداء على أن الله أرشد الإنسان إلى الحق وأن بعض الناس أدخلوا على أنفسهم ضلال الاعتقاد ومفاسد الأعمال ، فمن برّأ نفسه من ذلك فهو الشاكر وغيره الكفور ، وذلك تقسيم بحسب حال الناس في أول البعثة ، ثم ظهر من خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.
وتأكيد الخبر ب (إنّ) للرد على المشركين الذين يزعمون أن ما يدعوهم إليه القرآن باطل.
و (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) حالان من ضمير الغيبة في (هَدَيْناهُ) ، وهو ضمير (الْإِنْسانَ) [الإنسان : ٢].
و (إِمَّا) حرف تفصيل ، وهو حرف بسيط عند الجمهور. وقال سيبويه : هو مركب من حرف (إن) الشرطية و (ما) النافية. وقد تجردت (إن) بالتركيب على الشرطية كما تجردت (ما) عن النفي ، فصار مجموع (إِمَّا) حرف تفصيل ، ولا عمل لها في الاسم بعدها ولا تمنع العامل الذي قبلها عن العمل في معموله الذي بعدها فهي في ذلك مثل (ال) حرف التعريف. وقدر بعض النحاة (إِمَّا) الثانية حرف عطف وهو تحكم إذ جعلوا الثانية عاطفة وهي أخت الأولى ، وإنما العاطف الواو و (إِمَّا) مقحمة بين الاسم ومعموله كما في قول تأبط شرا :
هما خطّتا إمّا إسار ومنّة |
|
وإمّا دم والموت بالحر أجدر |
فإن الاسمين بعد (إما) في الموضعين من البيت مجروران بالإضافة ولذلك حذفت النون من قوله : هما خطتا ، وذلك أفصح كما جاء في هذه الآية.
قال ابن جنيّ : «أما من جرّ (إسار) فإنه حذف النون للإضافة ولم يعتد (إمّا) فاصلا بين المضاف والمضاف إليه ، وعلى هذا تقول : هما إما غلاما زيد وإما عمرو ، وأجود من هذا أن تقول : هما خطتا إسار ومنة وإما خطتا دم ثم قال : وأما الرفع فطريق المذهب ، وظاهر أمره أنه على لغة من حذف النون لغير الإضافة فقد حكي ذلك» إلخ.
ومقتضى كلامه أن البيت روي بالوجهين : الجر والرفع وقريب منه كلام المرزوقي