على حقيقته مما تمزج به الخمر ولعل ذلك كان من شأن أهل الترف لأن الكافور ثمين وهو معدود في العطور.
ومن المفسرين من قال : إن كافور اسم عين في الجنة لأجل قوله عقبه (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) وستعلم حق المراد منه.
وإقحام فعل (كانَ) في جملة الصفة بقوله : (كانَ مِزاجُها كافُوراً) لإفادة أن ذلك مزاجها لا يفارقها إذ كان معتاد الناس في الدنيا ندرة ذلك المزاج لغلاء ثمنه وقلة وجدانه.
وانتصب (عَيْناً) على البدل من (كافُوراً) أي ذلك الكافور تجري به عين في الجنة من ماء محلول فيه أو من زيته مثل قوله : (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) [محمد : ١٥]. وعدي فعل (يَشْرَبُ) بالباء وهي باء الإلصاق لأن الكافور يمزج به شرابهم. فالتقدير : عينا يشرب عباد الله خمرهم بها ، أي مصحوبا بمائها ، وذهب الأصمعي إلى أن الباء في قوله تعالى : (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) بمعنى (من) التبعيضية ووافقه الفارسي وابن قتيبة وابن مالك ، وعدّ في كتبه ذلك من معاني الباء ونسب إلى الكوفيين.
و (عِبادُ اللهِ) مراد بهم : الأبرار. وهو إظهار في مقام الإضمار للتنويه بهم بإضافة عبوديتهم إلى الله تعالى إضافة تشريف.
والتفجير : فتح الأرض عن الماء أي استنباط الماء الغزير وأطلق هنا على الاستقاء منها بلا حدّ ولا نضوب فكان كل واحد يفجر لنفسه ينبوعا وهذا من الاستعارة.
وأكد فعل (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) ترشيحا للاستعارة.
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧))
اعتراض بين جملة (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) [الإنسان : ٥] إلخ وبين جملة (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ) [الإنسان : ١٥] إلخ. وهذا الاعتراض استئناف بياني هو جواب عن سؤال من شأن الكلام السابق أن يثيره في نفسه السامع المغتبط بأن ينال مثل ما نالوا من النعيم والكرامة في الآخرة. فيهتم بأن يفعل مثل ما فعلوا ، فذكر بعض أعمالهم الصالحة التي هي من آثار الإيمان مع التعريض لهم بالاستزادة منها في الدنيا.
والكلام إخبار عنهم صادر في وقت نزول هذه الآيات ، بعضه وصف لحالهم في