ووصف اليوم بأن له شرّا مستطيرا وصفا مشعرا بعلة خوفهم إياه. فالمعنى : أنهم يخافون شر ذلك اليوم فيتجنبون ما يفضي بهم إلى شره من الأعمال المتوعد عليها بالعقاب.
والشر : العذاب والجزاء بالسوء.
والمستطير : هو اسم فاعل من استطار القاصر ، والسين والتاء في استطار للمبالغة وأصله طار مثل استكبر. والطيران مجازي مستعار لانتشار الشيء وامتداده تشبيها له بانتشار الطير في الجو ، ومنه قولهم : الفجر المستطير ، وهو الفجر الصادق الذي ينتشر ضوؤه في الأفق ويقال : استطار الحريق إذا انتشر وتلاحق.
وذكر فعل (كانَ) للدلالة على تمكن الخبر من المخبر عنه وإلّا فإن شر ذلك اليوم ليس واقعا في الماضي وإنما يقع بعد مستقبل بعيد ، ويجوز أن يجعل ذلك من التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه.
وصيغة (يَخافُونَ) دالة على تجدد خوفهم شرّ ذلك اليوم على نحو قوله : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ).
[٨ ـ ١٠] (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠))
خصص الإطعام بالذكر لما في إطعام المحتاج من إيثاره على النفس كما أفاد قوله (عَلى حُبِّهِ).
والتصريح بلفظ الطعام مع أنه معلوم من فعل (يُطْعِمُونَ) توطئة ليبنى عليه الحال وهو (عَلى حُبِّهِ) فإنه لو قيل : ويطعمون مسكينا ويتيما وأسيرا لفات ما في قوله (عَلى حُبِّهِ) من معنى إيثار المحاويج على النفس ، على أن ذكر الطعام بعد (يُطْعِمُونَ) يفيد تأكيدا مع استحضار هيئة الإطعام حتى كأنّ السامع يشاهد الهيئة.
و (عَلى حُبِّهِ) في موضع الحال من ضمير (يُطْعِمُونَ).
و (عَلى) بمعنى (مع) ، وضمير (حُبِّهِ) راجع للطعام ، أي يطعمون الطعام مصحوبا بحبه ، أي مصاحبا لحبهم إياه وحب الطعام هو اشتهاؤه.
فالمعنى : أنهم يطعمون طعاما هم محتاجون إليه.