الجوّ بواسطة تحريك جناحيه وذلك سرّ قوله تعالى : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨] بعد قوله : (وَلا طائِرٍ) في [سورة الأنعام : ٣٨] لقصد تصوير تلك الحالة.
الوصف الثاني : (صافَّاتٍ) وهو وصف بوزن اسم الفاعل مشتق من الصّف ، وهو كون أشياء متعددة متقاربة الأمكنة وباستواء ، وهو قاصر ومتعد ، يقال : صفّوا ، بمعنى اصطفوا كما حكى الله عن الملائكة : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) [الصافات : ١٦٥] وقال تعالى في البدن (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَ) [الحج : ٣٦]. ويقال : صفهم إذا جعلهم مستوين في الموقف ، وفي حديث ابن عباس في الجنائز «مرّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقبر منبوذ» إلى قوله : «فصفّنا خلفه وكبّر».
والمراد هنا أن الطير صافّة أجنحتها فحذف المفعول لعلمه من الوصف الجاري على الطير إذ لا تجعل الطير أشياء مصفوفة إلّا ريش أجنحتها عند الطيران فالطائر إذا طار بسط جناحيه ، أي مدها فصفّ ريش الجناح فإذا تمدد الجناح ظهر ريشه مصطفّا فكان ذلك الاصطفاف من أثر فعل الطير فوصفت به ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) في سورة النور [٤١]. وبسط الجناحين يمكّن الطائر من الطيران فهو كمدّ اليدين للسابح في الماء.
الوصف الثالث : (وَيَقْبِضْنَ) وهو عطف على (صافَّاتٍ) من عطف الفعل على الاسم الشبيه بالفعل في الاشتقاق وإفادة الاتصاف بحدوث المصدر في فاعله ، فلم يفت بعطفه تماثل المعطوفين في الاسمية والفعلية الذي هو من محسنات الوصل.
والقبض : ضد البسط. والمراد به هنا ضد الصّف المذكور قبله ، إذ كان ذلك الصف صادقا على معنى البسط ومفعوله المحذوف هنا هو عين المحذوف في المعطوف عليه ، أي قابضات أجنحتهن حين يدنينها من جنوبهن للازدياد من تحريك الهواء للاستمرار في الطيران.
وأوثر الفعل المضارع في (يَقْبِضْنَ) لاستحضار تلك الحالة العجيبة وهي حالة عكس بسط الجناحين إذ بذلك العكس يزداد الطيران قوة امتداد زمان.
وجيء في وصف الطير ب (صافَّاتٍ) بصيغة الاسم لأن الصف هو أكثر أحوالها عند الطيران فناسبه الاسم الدال على الثبات ، وجيء في وصفهن بالقبض بصيغة المضارع لدلالة الفعل على التجدد ، أي ويجددن قبض أجنحتهن في خلال الطيران للاستعانة بقبض