(ظِلالُها) عائد إلى (جَنَّةً).
ودنو الظلال : قربها منهم وإذ لم يعهد وصف الظل بالقرب يظهر أن دنوّ الضلال كناية عن تدلّي الأدواح التي من شأنها أن تظلل الجنات في معتاد الدنيا ولكن الجنة لا شمس فيها فيستظلّ من حرّها ، فتعين أن تركيب (دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) مثل يطلق على تدلّي أفنان الجنة لأن الظل المظلل للشخص لا يتفاوت بدنوّ ولا بعد ، وقد يكون (ظِلالُها) مجازا مرسلا عن الأفنان بعلاقة اللزوم.
والمعنى : أن أدواح الجنة قريبة من مجالسهم وذلك مما يزيدها بهجة وحسنا وهو في معنى قوله تعالى : (قُطُوفُها دانِيَةٌ) [الحاقة : ٢٣].
ولذلك عطف عليه جملة (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً). أي سخرت لهم قطوف تلك الأدواح وسهلت لهم بحيث لا التواء فيها ولا صلابة تتعب قاطفها ولا يتمطّون إليها بل يجتنونها بأسهل تناول.
فاستعير التذليل للتيسير كما يقال : فرس ذلول : أي مطواع لراكبه ، وبقرة ذلول ، أي ممرنة على العمل ، وتقدم في سورة البقرة.
والقطوف : جمع قطف بكسر القاف وسكون الطاء ، وهو العنقود من التمر أو العنب ، سمّي قطفا بصيغة من صيغ المفعول مثل ذبح ، لأنه يقصد قطفه فإطلاق القطف عليه مجاز باعتبار المآل شاع في الكلام. وضمير (قُطُوفُها) عائد إلى (جَنَّةً) أو إلى (ظِلالُها) باعتبار الظلال كناية عن الأشجار.
و (تَذْلِيلاً) مصدر مؤكّد لذلك ، أي تذليلا شديدا منتهيا.
[١٥ ، ١٦] (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦))
عطف على جملة (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) [الإنسان : ٥] إلخ كما اقتضاه التناسب بين جملة (يَشْرَبُونَ) وجملة (يُطافُ عَلَيْهِمْ) في الفعلية والمضارعية ، وذلك من أحسن أحوال الوصل ، عاد الكلام إلى صفة مجالس شرابهم.
وهذه الجملة بيان لما أجمل في جملة (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) [الإنسان : ٥] ، وإنما عطفت عليها لما فيها من مغايرة مع الجملة المعطوف عليها من صفة آنية الشراب ،