بشدة الشكيمة في الكفر والعتوّ. وقد كانا كافرين فأشير إلى كل واحد منهما بما هو علم فيه بين بقية المشركين من كثرة المآثم لأولهما. والمبالغة في الكفر لثانيهما ، فلذلك صيغت له صيغة المبالغة (كفور).
قيل عرض عتبة على النبي صلىاللهعليهوسلم أن يرجع عن دعوة الناس إلى الإسلام ويزوجه ابنته وكانت من أجمل نساء قريش. وعرض الوليد عليه أن يعطيه من المال ما يرضيه ويرجع عن الدعوة ، وكان الوليد من أكثر قريش مالا وهو الذي قال الله في شأنه : (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) [المدثر : ١٢]. فيكون في إيثار هذين الوصفين بالذكر إدماج لذمهما وتلميح لقصتهما.
وأيّا ما كان فحرف (أَوْ) لم يعد أصل معناه من عطف تشريك أحد شيئين أو أشياء في خبر أو طلب ، وهذا التشريك يفيد تخييرا ، أو إباحة ، أو تقسيما ، أو شكا ، أو تشكيكا بحسب المواقع وبحسب عوامل الإعراب ، لتدخل (أَوْ) التي تضمر بعدها (أن) فتنصب المضارع. وكون المشرك بها واحدا من متعدد ملازم لمواقعها كلها.
فمعنى الآية نهي عن طاعة أحد هذين الموصوفين ويعلم أن طاعة كليهما منهي عنها بدلالة الفحوى لأنه إذا أطاعهما معا فقد تحقق منه طاعة أحدهما وزيادة.
وموقع (مِنْهُمْ) موقع الحال من (آثِماً) فإنه صفة (آثِماً) فلما قدمت الصفة على الموصوف صارت حالا.
و (من) للتبعيض. والضمير المجرور بها عائد للمشركين ، ولم يتقدم لهم ذكر لأنهم معلومون من سياق الدعوة أو لأنهم المفهوم من قوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) أي لا كما يزعم المشركون أنك جئت به من تلقاء نفسك ، ومن قوله : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) ، أي على أذى المشركين.
ويؤول المعنى : ولا تطع أحدا من المشركين.
[٢٥ ـ ٢٦] (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦))
أي أقبل على شأنك من الدعوة إلى الله وذكر الله بأنواع الذكر. وهذا إرشاد إلى ما فيه عون له على الصبر على ما يقولون.