بناء على أن الأصيل يطلق على وقت الظهر فيكون قوله : (وَسَبِّحْهُ) إشارة إلى قيام الليل.
وهذه الآية جاءت على وفق قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) [الحجر : ٩٧ ، ٩٨] وقوله تعالى : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) [المزمّل : ٨ ـ ١٠].
(إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧))
تعليل للنهي عن إطاعتهم في قوله : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : ٢٤] ، أي لأن خلقهم الانصباب على الدنيا مع الإعراض عن الآخرة إذ هم لا يؤمنون بالبعث فلو أعطاهم لتخلق بخلقهم قال تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ) الآية [النساء : ٨٩]. فموقع (إِنَ) موقع التعليل وهي بمنزلة فاء السببية كما نبه عليه الشيخ عبد القاهر.
و (هؤُلاءِ) إشارة إلى حاضرين في ذهن المخاطب لكثرة الحديث عنهم ، وقد استقريت من القرآن أنه إذا أطلق (هؤُلاءِ) دون سبق ما يكون مشارا إليه فالمقصود به المشركون ، وقد ذكرت ذلك في تفسير قوله تعالى : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) في سورة الأنعام [٨٩] وقوله تعالى : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) في سورة هود [١٠٩].
وقد تنزه رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن محبة الدنيا فقال : «ما لي وللدنيا» فليس له محبة لأمورها عدا النساء والطيب كما قال : «حبّب إليّ من دنياكم النساء والطيب».
فأما النساء فالميل إليهن مركوز في طبع الذكور ، وما بالطبع لا يتخلف ، وفي الأنس بهن انتعاش للروح فتناوله محمود إذا وقع على الوجه المبرّأ من الإيقاع في فساد وما هو الأمثل تناول الطعام وشرب الماء قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) [الرعد : ٣٨].
وأما الطيب فلأنه مناسب للتزكية النفسية.
وصيغة المضارع في (يُحِبُّونَ) تدل على تكرر ذلك ، أي أن ذلك دأبهم وديدنهم لا يشاركون مع حب العاجلة حب الآخرة.