أمسكهن الرحمن لعموم علمه وحكمته ولا يمسكهن غيره لقصور علمهم أو انتفائه.
والبصير : العليم ، مشتق من البصيرة ، فهو هنا غير الوصف الذي هو من الأسماء الحسنى في نحو : السميع البصير ، وإنما هو هنا من باب قولهم : فلان بصير بالأمور. وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) [غافر : ٤٤] ، فهو خبر لا وصف ولا منزل منزلة الاسم. وتقديم (بِكُلِّ شَيْءٍ) على متعلقه لإفادة القصر الإضافي وهو قصر قلب ردّا على من يزعمون أنه لا يعلم كل شيء كالذين قيل لهم (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) [الملك :١٣].
(أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠))
(أم) منقطعة وهي للإضراب الانتقالي من غرض إلى غرض فبعد استيفاء غرض إثبات الإلهية الحق لله تعالى بالوحدانية وتذكيرهم بأنهم مفتقرون إليه ، انتقل إلى إبطال أن يكون أحد يدفع عنهم العذاب الذي توعدهم الله به فوجه إليهم استفهام أن يدلّوا على أحد من أصنامهم أو غيرها يقال فيه هذا هو الذي ينصر من دون الله ، فإنهم غير مستطيعين تعيين أحد لذلك إلّا إذا سلكوا طريق البهتان وما هم بسالكيه في مثل هذا لافتضاح أمره.
وهذا الكلام ناشئ عن قوله : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) [الملك : ١٦] الآية فهو مثله معترض بين حجج الاستدلال.
و (أم) المنقطعة لا يفارقها معنى الاستفهام ، والأكثر أن يكون مقدرا فإذا صرح به كما هنا فأوضح ولا يتوهم أن الاستفهام يقدر بعدها ولو كان يليها استفهام مصرح به فيشكل اجتماع استفهامين.
والاستفهام مستعمل في التعجيز عن التعيين فيؤول إلى الانتفاء ، والإشارة مشار بها إلى مفهوم (جُنْدٌ) مفروض في الأذهان استحضر للمخاطبين ، فجعل كأنه حاضر في الخارج يشاهده المخاطبون ، فيطلب المتكلم منهم تعيين قبيله بأن يقولوا : بنو فلان. ولما كان الاستفهام مستعملا في التعجيز استلزم ذلك أن هذا الجند المفروض غير كائن.
وقريب من ذلك قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة : ٢٥٥] ونحوه.