و (المجرمون) من ألقاب المشركين في اصطلاح القرآن قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) [المطففين : ٢٩] وسيأتي في هذه السورة (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) [المرسلات : ٤٦].
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩))
تقرير لنظيره المتقدم تأكيدا للتهديد وإعادة لمعناه.
التهديد : من مقامات التكرير كقول الحارث بن عياد :
قرّبا مربط النعامة مني
الذي كرّره مرارا متوالية في قصيدته اللامية التي أثارت حرب البسوس.
فعلى الوجه الأول في موقع جملة (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) يقدر الكلام المعوض عنه تنوين (يَوْمَئِذٍ) يوم إذ يقال لهم (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) [المرسلات : ١٦].
والمراد بالمكذبين : المخاطبون فهو إظهار في مقام الإضمار لتسجيل أنهم مكذبون ، والمعنى : ويل يومئذ لكم.
وعلى الوجه الثاني في موقع الجملة يقدر المحذوف المعرض عنه التنوين : يوم إذ (النُّجُومُ طُمِسَتْ) [المرسلات : ٨] إلخ ، فتكون الجملة تأكيدا لفظيا لنظيرتها التي تقدمت. والمراد بالمكذبين جميع المكذبين الشامل للسامعين.
وعلى الاعتبارين فتقرير معنى الجملتين حاصل لأن اليوم يوم واحد ولأن المكذبين يصدق بالأحياء وبأهل المحشر.
[٢٠ ـ ٢٣] (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣))
تقرير أيضا يجري فيه ما تقدم في قوله : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) ، جيء به على طريقة تعداد الخطاب في مقام التوبيخ والتقريع.
وكل من التقرير والتقريع من مقتضيات ترك العطف لشبهه بالتكرير في أنه تكرير معنى وإن لم يكن تكرير لفظ ، والتكرير شبيه بالأعداد المسرودة فكان حقه ترك العطف فيه.