لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) [الواقعة : ٤٣ ، ٤٤].
وجرّ (ظَلِيلٍ) على النعت ل (ظِلٍ) ، وأقحمت (لا) فصارت من جملة الوصف ولا يظهر فيها إعراب كما تقدم في قوله تعالى : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) [البقرة : ٦٨] وشأن (لا) إذا أدخلت في الوصف أن تكرر فلذلك أعيدت في قوله : (وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ).
والإغناء : جعل الغير غنيا ، أي غير محتاج في ذلك الغرض ، وتعديته ب (من) على معنى البدلية أو لتضمينه معنى : يبعد ، ومثله قوله تعالى : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) [يوسف : ٦٧]. وبذلك سلب عن هذا الظل خصائص الظلال لأن شأن الظل أن ينفس عن الذي يأوي إليه ألم الحر.
[٣٢ ـ ٣٣] (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣))
يجوز أن يكون هذا من تمام ما يقال للمكذبين الذين قيل لهم : (انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [المرسلات : ٢٩] ، فإنهم بعد أن حصل لهم اليأس مما ينفّس عنهم ما يلقون من العذاب ، وقيل لهم : انطلقوا إلى دخان جهنم ربما شاهدوا ساعتئذ جهنم تقذف بشررها فيروعهم المنظر ، أو يشاهدونها عن بعد لا تتضح منه الأشياء وتظهر عليهم مخائل توقعهم أنهم بالغون إليه فيزدادون روعا وتهويلا ، فيقال لهم : إن جهنم (تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ).
ويجوز أن يكون اعتراضا في أثناء حكاية حالهم ، أو في ختام حكاية حالهم.
فضمير (إِنَّها) عائد إلى جهنم التي دل عليها قوله : (ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) كما يقال للذي يساق إلى القتل وقد رأى رجلا بيده سيف فاضطرب لرؤيته فيقال له : إنه الجلّاد.
وإجراء تلك الأوصاف في الإخبار عنها لزيادة الترويع والتهويل ، فإن كانوا يرون ذلك الشرر لقربهم منه فوصفه لهم لتأكيد الترويع والتهويل بتظاهر السمع مع الرؤية. وإن كانوا على بعد منه فالوصف للكشف عن حاله الفظيعة.
وتأكيد الخبر ب (إنّ) للاهتمام به لأنهم حينئذ لا يشكون في ذلك سواء رأوه أو أخبروا به.
والشرر : اسم جمع شررة : وهي القطعة المشتعلة من دقيق الحطب يدفعها لهب النار