في الهواء من شدة التهاب النار.
والقصر : البناء العالي. والتعريف فيه للجنس ، أي كالقصور لأنه شبه به جمع ، وهذا التعريف مثل تعريف الكتاب في قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) [الحديد : ٢٥] ، أي الكتب. وعن ابن عباس : الكتاب أكثر من الكتب ، أي كل شررة كقصر ، وهذا تشبيه في عظم حجمه.
وقوله : (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) تشبيه له في حجمه ولونه وحركته في تطايره بجمالات صفر. وضمير (كَأَنَّهُ) عائد إلى شرر.
والجمالات : بكسر الجيم جمع جمالة ، وهي اسم جمع طائفة من الجمال ، أي تشبه طوائف من الجمال متوزعة فرقا ، وهذا تشبيه مركب لأنه تشبيه في هيئة الحجم مع لونه مع حركته. والصفرة : لون الشرر إذا ابتعد عن لهيب ناره.
وقرأ الجمهور جمالات بكسر الجيم وألف بعد اللام فهو جمع جمالة. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف (جِمالَتٌ) بكسر الجيم بدون ألف بعد اللام وهو جمع جمل حجر وحجارة.
وقرأه رويس عن يعقوب جمالات بضم الجيم وألف بعد اللام جمع جمالة بالضم وهي حبل تشدّ به السفينة ، ويسمى القلس (بقاف مفتوحة ولام ساكنة) والتقدير : كأنّ الواحدة منها جمالة ، و (صُفْرٌ) على هذه القراءة نعت ل (جِمالَتٌ) أو ل (شرر).
قال صاحب «الكشاف» : وقال أبو العلاء (يعني المعري) في صفة نار قوم مدحهم بالكرم :
حمراء ساطعة الذوائب في الدّجى |
|
ترمي بكل شرارة كطراف |
شبه الشرارة بالطراف وهو بيت الأدم في العظم والحمرة وكأنّه قصد بخبثه أن يزيد على تشبيه القرآن ولتبجحه بما سوّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته بقوله : «حمراء» توطئة لها ومناداة عليها وتنبيها للسامعين على مكانها ، ولقد عمي جمع الله له عمى الدارين عن قوله عزّ وعلا : (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) فإنه بمنزلة قوله كبيت أحمر وعلى أن في التشبيه بالقصر وهو الحصن تشبيها من جهتين من جهة العظم ومن جهة الطول في الهواء فأبعد الله إغرابه في طرافه وما نفخ شدقيه من استطرافه ا ه.
وأقول : هذا الكلام ظن سوء بالمعري لم يشمّ من كلامه ، ولا نسبه إليه أحد من