المكذبين مثل الضمائر التي قبله ، لأن الأولين من جملة المكذبين فلا يقال لهم : (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) ، فتعين أن يختص بالمكذبين بالقرآن.
والمعنى : جمعناكم والسابقين قبلكم من المكذبين.
وقد أنذروا بما حلّ بالأولين أمثالهم من عذاب الدنيا في قوله : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) [المرسلات : ١٦]. فأريد توقيفهم يومئذ على صدق ما كانوا ينذرون به في الحياة الدنيا من مصيرهم إلى ما صار إليه أمثالهم ، فلذلك لم يتعلق الغرض يومئذ بذكر الأمم التي جاءت من بعدهم.
وباعتبار هذا الضمير فرع عليه قوله : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) فكان تخلّصا إلى توبيخ الحاضرين على ما يكيدون به للرسول صلىاللهعليهوسلم وللمسلمين قال تعالى : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) [الطارق : ١٥ ـ ١٧] وأن كيدهم زائل وأن سوء العقبى عليهم.
وفرع على ذلك (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) ، أي فإن كان لكم كيد اليوم كما كان لكم في الدنيا ، أي كيد بديني ورسولي فافعلوه.
والأمر للتعجيز ، والشرط للتوبيخ والتذكير بسوء صنيعهم في الدنيا ، والتسجيل عليهم بالعجز عن الكيد يومئذ حيث مكّنوا من البحث عما عسى أن يكون لهم من الكيد فإذا لم يستطيعوه بعد ذلك فقد سجل عليهم العجز. وهذا من العذاب الذي يعذّبونه إذ هو من نوع العذاب النفساني وهو أوقع على العاقل من العذاب الجسماني.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠))
تكرير للوعيد والتهديد وهو متصل بما قبله كاتصال نظيره المذكور آنفا.
[٤١ ـ ٤٤] (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤))
يجوز أن يكون هذا ختام الكلام الذي هو تقريع للمشركين حكي لهم فيه نعيم المؤمنين الذي لا يشاهده المشركون لبعدهم عن مكانه فيحكى لهم يومئذ فيما يقال لهم ليكون ذلك أشد حسرة عليهم وتنديما لهم على ما فرطوا فيه مما بادر إليه المتقون المؤمنون ففازوا ، فيكون هذا من جملة القول الذي حذف فعله عند قوله : (انْطَلِقُوا)