وأما على الوجه الثاني في جملة (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ) [المرسلات : ٤١] إلخ فهي متصلة بتلك الجملة لمقابلة ذكر نعيم المؤمنين المطنب في وصفه بذكر ضده للمشركين بإيجاز حاصل من كلمة (وَيْلٌ) لتحصل مقابلة الشيء بضده ولتكون هذه الجملة تأكيدا لنظائرها ، واليوم المضاف إلى (إذ) يوم غير مذكور ولكنه مما يقتضيه كون المتقين في ظلال وعيون وفواكه ليعلم بأن ذلك يكون لهم في يوم القيامة.
(كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦))
خطاب للمشركين الموجودين الذين خوطبوا بقوله تعالى : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ) [المرسلات : ٧] ، وهو استئناف ناشئ عن قوله : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [المرسلات : ٤٤] إذ يثير في نفوس المكذبين المخاطبين بهذه القوارع ما يكثر خطوره في نفوسهم من أنهم في هذه الدنيا في نعمة محققة وأن ما يوعدون به غير واقع فقيل لهم : (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً).
فالأمر في قوله : (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا) مستعمل في الإمهال والإنذار ، أي ليس أكلكم وتمتعكم بلذات الدنيا بشيء لأنه تمتع قليل ثم مأواكم العذاب الأبدي قال تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [آل عمران: ١٩٦ ، ١٩٧].
وجملة (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) خبر مستعمل في التهديد والوعيد بالسوء ، أي إن إجرامكم مهو بكم إلى العذاب ، وذلك مستفاد من مقابلة وصفهم بالإجرام بوصف (الْمُتَّقِينَ) [المرسلات : ٤١] بالإحسان إذ الجزاء من جنس العمل ، فالجملة واقعة موقع التعليل.
وتأكيد الخبر ب (إنّ) لرد إنكارهم كونهم مجرمين.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧))
هو مثل نظيره المذكور ثانيا في هذه السورة.
ويزيد على ذلك بأن له ارتباطا خاصا بجملة (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً) [المرسلات : ٤٦] لما في (تَمَتَّعُوا قَلِيلاً) من الكناية عن ترقب سوء عاقبة لهم فيقع قوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) موقع البيان لتلك الكناية ، أي كلوا وتمتعوا قليلا الآن وويل لكم يوم القيامة.