وقد كانوا إذا ضربوا بالسيوف قصدوا الوجوه والرءوس. قال النبي صلىاللهعليهوسلم يوم بدر لعمر بن الخطاب لما بلغه قول أبي حذيفة لئن لقيت العباس لألجمنّه السيف ، فقال رسول الله : «يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟».
وقيل هذا وعيد بتشويه أنفه يوم القيامة مثل قوله : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران : ١٠٦] وجعل تشويهه يومئذ في أنفه لأنه إنما بالغ في عداوة الرسول والطعن في الدين بسبب الأنفة والكبرياء ، وقد كان الأنف مظهر الكبر ولذلك سمي الكبر أنفة اشتقاقا من اسم الأنف فجعلت شوهته في مظهر آثار كبريائه.
[١٧ ـ ٢٥] (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥))
ضمير الغائبين في قوله : (بَلَوْناهُمْ) يعود إلى (الْمُكَذِّبِينَ) في قوله : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) [القلم : ٨]. والجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا دعت إليه مناسبة قوله : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [القلم : ١٤ ـ ١٥] فإن الازدهاء والغرور بسعة الرزق المفضيين إلى الاستخفاف بدعوة الحق وإهمال النظر في كنهها ودلائلها قد أوقعا من قديم الزمان أصحابهما في بطر النعمة وإهمال الشكر فجرّ ذلك عليهم شر العواقب ، فضرب الله للمشركين مثلا بحال أصحاب هذه الجنة لعلهم يستفيقون من غفلتهم وغرورهم. كما ضرب المثل بقريب منه في سورة الكهف ، وضرب مثلا بقارون في سورة القصص.
والبلوى حقيقتها : الاختبار وهي هنا تمثيل بحال المبتلى في إرخاء الحبل له بالنعمة ليشكر أو يكفر ، فالبلوى المذكورة هنا بلوى بالخير فإن الله أمدّ أهل مكة بنعمة الأمن ، ونعمة الرزق ، وجعل الرزق يأتيهم من كل جهة ، ويسر لهم سبل التجارة في الآفاق بنعمة الإيلاف برحلة الشتاء ورحلة الصيف ، فلما أكمل لهم النعمة بإرسال رسول منهم ليكمل لهم صلاح أحوالهم ويهديهم إلى ما فيه النعيم الدائم فدعاهم وذكرهم بنعم الله أعرضوا وطغوا ولم يتوجهوا إلى النظر في النعم السالفة ولا في النعمة الكاملة التي أكملت لهم النعم.