[القلم : ١٧] ، وهم المشركون فإنهم كانوا ينكرون عذاب الآخرة فهددوا بعذاب الدنيا ، ولا يصح عوده إلى (أَصْحابَ الْجَنَّةِ) [القلم : ١٧] لأنهم كانوا مؤمنين بعذاب الآخرة وشدته.
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤))
استئناف بياني لأن من شأن ما ذكر من عذاب الآخرة للمجرمين أن ينشأ عنه سؤال في نفس السامع يقول : فما جزاء المتقين؟ وهو كلام معترض بين أجزاء الوعيد والتهديد وبين قوله : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) [القلم : ١٦] وقوله : (كَذلِكَ الْعَذابُ) [القلم: ٣٣]. وقد أشعر بتوقع هذا السؤال قوله بعده : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) [القلم : ٣٥] كما سيأتي.
وتقديم المسند على المسند إليه للاهتمام بشأن المتقين ليسبق ذكر صفتهم العظيمة ذكر جزائها.
واللام للاستحقاق. و (عِنْدَ) ظرف متعلق بمعنى الكون الذي يقتضيه حرف الجر ، ولذلك قدم متعلّقه معه على المسند إليه لأجل ذلك الاهتمام. وقد حصل من تقديم المسند بما معه طول يثير تشويق السامع إلى المسند إليه. والعندية هنا عندية كرامة واعتناء.
وإضافة (جَنَّاتِ) إلى (النَّعِيمِ) تفيد أنها عرفت به فيشار بذلك إلى ملازمة النعيم لها لأن أصل الإضافة أنها بتقدير لام الاستحقاق ف (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) مفيد أنها استحقها النعيم لأنها ليس في أحوالها إلّا حال نعيم أهلها ، فلا يكون فيها ما يكون في جنات الدّنيا من المتاعب مثل الحرّ في بعض الأوقات أو شدة البرد أو مثل الحشرات والزنانير ، أو ما يؤذي مثل شوك الأزهار والأشجار وروث الدواب وذرق الطير.
[٣٥ ـ ٣٦] (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦))
فاء التفريع تقتضي أن هذا الكلام متفرع على ما قبله من استحقاق المتقين جنات النعيم ، ومقابلته بتهديد المشركين بعذاب الدّنيا والآخرة ، ولكن ذلك غير مصرح فيه بما يناسب أن يتفرع عليه هذا الإنكار والتوبيخ فتعيّن تقدير إنكار من المعرض بهم ليتوجه إليهم هذا الاستفهام المفرع ، وهو ما أشرنا إليه آنفا من توقع أو وقوع سؤال.
والاستفهام وما بعده من التوبيخ ، والتخطئة ، والتهكم على إدلالهم الكاذب ، مؤذن بأن ما أنكر عليهم ووبخوا عليه وسفهوا على اعتقاده كان حديثا قد جرى في نواديهم أو