وأول ذلك إنباؤه بأن القرآن كلام الله ، وما تضمنه القرآن من إبطال الشرك ، ومن إثبات بعث الناس يوم القيامة ، فما يروى عن بعض السلف من تعيين نبأ خاص يحمل على التمثيل. فعن ابن عباس : هو القرآن ، وعن مجاهد وقتادة : هو البعث يوم القيامة.
وسوق الاستدلال بقوله : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) إلى قوله : (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) [النبأ : ١٦] يدل دلالة بينة على أن المراد من (النَّبَإِ الْعَظِيمِ) الإنباء بأن الله واحد لا شريك له.
وضمير (هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) يجري فيه الوجهان المتقدمان في قوله : (يَتَساءَلُونَ). واختلافهم في النبأ اختلافهم فيما يصفونه به ، كقول بعضهم : (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأنعام : ٢٥] وقول بعضهم : هذا كلام مجنون ، وقول بعضهم : هذا كذب ، وبعضهم : هذا سحر ، وهم أيضا مختلفون في مراتب إنكاره. فمنهم من يقطع بإنكار البعث مثل الذين حكى الله عنهم بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) [سبأ : ٧ ـ ٨] ، ومنهم من يشكّون فيه كالذين حكى الله عنهم بقوله : (قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثية : ٣٢] على أحد التفسيرين.
وجيء بالجملة الاسمية في صلة الموصول دون أن يقول : الذي يختلفون فيه أو نحو ذلك ، لتفيد الجملة الاسمية أن الاختلاف في أمر هذا النبأ متمكن منهم ودائم فيهم لدلالة الجملة الاسمية على الدوام والثبات.
وتقديم (عَنْهُ) على (مُعْرِضُونَ) [ص : ٦٨] للاهتمام بالمجرور وللإشعار بأن الاختلاف ما كان من حقه أن يتعلق به ، مع ما في التقديم من الرعاية على الفاصلة.
(كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤))
(كَلَّا) حرف ردع وإبطال لشيء يسبقه غالبا في الكلام يقتضي ردع المنسوب إليه وإبطال ما نسب إليه ، وهو هنا ردع للذين يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون على ما يحتمله التساؤل من المعاني المتقدمة ، وإبطال لما تضمنته جملة (يَتَساءَلُونَ) [النبأ : ١] من تساؤل معلوم للسامعين.
فموقع الجملة موقع الجواب عن السؤال ولذلك فصلت ولم تعطف لأن ذلك طريقة السؤال والجواب.