(كَلَّا)
إبطال وقد تقدم ذكر (كلّا) في سورة مريم [٧٩ ـ ٨٢] ، وتقدم قريبا في سورة النبأ [٤ ، ٥] ، وهو هنا إبطال لما جرى في الكلام السابق ولو بالمفهوم كما في قوله : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) [عبس : ٣]. ولو بالتعريض أيضا كما في قوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) [عبس : ١].
وعلى التفسير الثاني المتقدم ينصرف الإبطال إلى (عَبَسَ وَتَوَلَّى) خاصة.
ويجوز أن يكون تأكيدا لقوله : (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) [عبس : ٧] على التفسيرين ، أي لا تظن أنك مسئول عن مكابرته وعناده فقد بلّغت ما أمرت بتبليغه.
(إِنَّها تَذْكِرَةٌ) (١١) (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (١٢) (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) (١٣) (مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ) (١٤) (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) (٥٠) (كِرامٍ بَرَرَةٍ) (١٦).
استئناف بعد حرف الإبطال ، وهو استئناف بياني لأن ما تقدم من العتاب ثم ما عقبه من الإبطال يثير في خاطر الرسول صلىاللهعليهوسلم الحيرة في كيف يكون العمل في دعوة صناديد قريش إذا لم يتفرغ لهم لئلا ينفروا عن التدبر في القرآن ، أو يثير في نفسه مخافة أن يكون قصّر في شيء من واجب التبليغ.
وضمير (إِنَّها) عائد إلى الدعوة التي تضمنها قوله : (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) [عبس : ٦].
ويجوز أن يكون المعنى : أن هذه الموعظة تذكرة لك وتنبيه لما غفلت عنه وليست ملاما وإنما يعاتب الحبيب حبيبه.
ويجوز عندي أن يكون (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) استئنافا ابتدائيا موجها إلى من كان النبيصلىاللهعليهوسلم يدعوه قبيل نزول السورة فإنه كان يعرض القرآن على الوليد بن المغيرة ومن معه ، وكانوا لا يستجيبون إلى ما دعاهم ولا يصدقون بالبعث ، فتكون (كلا) إبطالا لما نعتوا به القرآن من أنه أساطير الأولين أو نحو ذلك.
فيكون ضمير (إِنَّها تَذْكِرَةٌ) عائدا إلى الآيات التي قرأها النبي صلىاللهعليهوسلم عليهم في ذلك المجلس ثم أعيد عليها الضمير بالتذكير للتنبيه على أن المراد آيات القرآن.
ويؤيد هذا الوجه قوله تعالى عقبه : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) [عبس : ١٧] الآيات حيث ساق لهم أدلة إثبات البعث.
فكان تأنيث الضمير نكتة خصوصية لتحميل الكلام هذه المعاني.