والضمير الظاهر في قوله : (ذَكَرَهُ) يجوز أن يعود إلى (تَذْكِرَةٌ) لأن ما صدقها القرآن الذي كان النبي صلىاللهعليهوسلم يعرضه على صناديد قريش قبيل نزول هذه السورة ، أي فمن شاء ذكر القرآن وعمل به.
ويجوز أن يكون الضمير عائدا إلى الله تعالى فإن إعادة ضمير الغيبة على الله تعالى دون ذكر معاده في الكلام كثير في القرآن لأن شئونه تعالى وأحكامه نزل القرآن لأجلها فهو ملحوظ لكل سامع للقرآن ، أي فمن شاء ذكر الله وتوخّى مرضاته.
والذكر على كلا الوجهين : الذكر بالقلب ، وهو توخّي الوقوف عند الأمر والنهي. وتعدية فعل (ذكر) إلى ذلك الضمير على الوجهين على حذف مضاف يناسب المقام.
والذي اقتضى الإتيان بالضمير وكونه ضمير مذكر مراعاة الفواصل وهي : (تَذْكِرَةٌ)، (مُطَهَّرَةٍ) ، (سَفَرَةٍ) ، (بَرَرَةٍ).
وجملة : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) معترضة بين قوله : (تَذْكِرَةٌ) وقوله : (فِي صُحُفٍ).
والفاء لتفريع مضمون الجملة على جملة (إِنَّها تَذْكِرَةٌ) فإن الجملة المعترضة تقترن بالفاء إذا كان معنى الفاء قائما ، فالفاء من جملة الاعتراض ، أي هي تذكرة لك بالأصالة وينتفع بها من شاء أن يتذكر على حسب استعداده ، أي يتذكر بها كل مسلم كقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤].
وفي قوله : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) تعريض بأن موعظة القرآن نافعة لكل أحد تجرد عن العناد والمكابرة ، فمن لم يتعظ بها فلأنه لم يشأ أن يتعظ. وهذا كقوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥] وقوله : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) [التكوير: ٢٨] وقوله : (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [الحاقة : ٤٨] ونحوه كثير ، وقد تقدم قريب منه في قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) في سورة الإنسان [٢٩].
والتذكرة : اسم لما يتذكر به الشيء إذا نسي. قال الراغب : وهي أعم من الدلالة والأمارة قال تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) وتقدم نظيره في سورة المدثر [٤٩].
وكل من (تَذْكِرَةٌ) و (ذَكَرَهُ) هو من الذكر القلبي الذي مصدره بضم الدال في الغالب ، أي فمن شاء عمل به ولا ينسه.