ننشرهم عند ما نشاء ممّا قدرنا أجله عند خلق العالم الأرضي.
وتكون جملة : (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) تعليلا للردع ، أي الإنسان لم يستتم ما أجل الله لبقاء نوعه في هذا العالم من يوم تكوينه فلذلك لا ينشر الآن ، ويكون المراد بالأمر في قوله : (ما أَمَرَهُ) أمر التكوين ، أي لم يستتم ما صدر به أمر تكوينه حين قيل لآدم : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [البقرة : ٣٦].
ويجوز أن يكون زجرا عما أفاده قوله : (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) وقدمت (كَلَّا) في صدر الكلام الواردة لإبطاله للاهتمام بمبادرة الزجر.
وتقدم الكلام في (كَلَّا) في سورة مريم وأحلت هنالك على ما هنا.
و (لَمَّا) حرف نفي يدل على نفي الفعل في الماضي مثل (لم) ويزيد بالدلالة على استمرار النفي إلى وقت التكلم كقوله تعالى : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ١٤].
والمقصود أنه مستمر على عدم قضاء ما أمره الله مما دعاه إليه.
والقضاء : فعل ما يجب على الإنسان كاملا لأن أصل القضاء مشتق من الإتمام فتضمن فعلا تاما ، أي لم يزل الإنسان الكافر معرضا عن الإيمان الذي أمره الله به ، وعن النظر في خلقه من نطفة ثم تطوره أطوارا إلى الموت قال تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) [الطارق : ٥] ، وما أمره من التدبر في القرآن ودلائله ومن إعمال عقله في الاستدلال على وحدانية الله تعالى ونفي الشريك عنه. ومن الدلائل نظره في كيفية خلقه فإنها دلائل قائمة بذاته فاستحق الردع والزجر.
والضمير المستتر في (أَمَرَهُ) عائد إلى ما عادت إليه الضمائر المستترة في (خلقه ، وقدره ، ويسره ، وأماته ، وأقبره ، وأنشره).
[٢٤ ـ ٣٢] (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ)
إما مفرع على قوله : (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) [عبس : ٢٣] فيكون مما أمره الله به من النظر ، وإما على قوله : (ما أَكْفَرَهُ) [عبس : ١٧] فيكون هذا النظر مما يبطل ويزيل شدة كفر