يوصف به الإنسان والبعير ، وهو هنا مستعار لغلظ أصول الشجر فوصف الحدائق به ؛ إما على تشبيه الحديقة في تكاثف أوراق شجرها والتفافها بشخص غليظ الأوداج والأعصاب فتكون استعارة ، وإما على تقدير محذوف ، أي غلب شجرها ، فيكون نعتا سببيّا وتكون الاستعارة في تشبيه كل شجرة بامرأة غليظة الرقبة ، وذلك من محاسن الحدائق لأنها تكون قد استكملت قوة الأشجار كما في قوله : (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) [النبأ : ١٦].
وخصت الحدائق بالذكر لأنها مواضع التنزه والاختراف ، ولأنها تجمع أصنافا من الأشجار.
والفاكهة : الثمار التي تؤكل للتفكه لا للاقتيات ، مثل الرّطب والعنب الرّطب والرمان واللوز.
والأبّ : بفتح الهمزة وتشديد الباء : الكلأ الذي ترعاه الأنعام ، روي أن أبا بكر الصديق سئل عن الأبّ : ما هو؟ فقال : «أيّ سماء تظلني ، وأيّ أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله ما لا علم لي به» وروي أن عمر بن الخطاب قرأ يوما على المنبر : (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا) إلى (وَأَبًّا) فقال : كلّ هذا قد عرفناه فما الأبّ؟ ثم رفع عصا كانت في يده ، وقال : هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك يا ابن أمّ عمر أن لا تدري ما الأبّ ابتغوا ما بيّن لكم من هذا الكتاب فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه». وفي «صحيح البخاري» عن عمر بعض هذا مختصرا.
والذي يظهر لي في انتفاء علم الصديق والفاروق بمدلول الأبّ وهما من خلّص العرب لأحد سببين :
إما لأن هذا اللفظ كان قد تنوسي من استعمالهم فأحياه القرآن لرعاية الفاصلة فإن الكلمة قد تشتهر في بعض القبائل أو في بعض الأزمان وتنسى في بعضها مثل اسم السّكّين عند الأوس والخزرج ، فقد قال أنس بن مالك : «ما كنّا نقول إلا المدية حتى سمعت قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم يذكر أن سليمان عليهالسلام قال : «ايتوني بالسكين أقسم الطفل بينهما نصفين».
وإما لأن كلمة الأبّ تطلق على أشياء كثيرة منها النبت الذي ترعاه الأنعام ، ومنها التبن ، ومنها يابس الفاكهة ، فكان إمساك أبي بكر وعمر عن بيان معناه لعدم الجزم بما أراد الله منه على التعيين ، وهل الأبّ مما يرجع إلى قوله : (مَتاعاً لَكُمْ) أو إلى قوله :