التي قبلها تعيّن انصراف معنى ارتقاء رتبة معنى الجملة الثانية هو أن المتوعد به الثاني أعظم مما يحسبون.
وضمير (سَيَعْلَمُونَ) في الموضعين يجري على نحو ما تقدم في ضمير (يَتَساءَلُونَ) [النبأ : ١] وضمير (فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) [النبأ : ٣].
(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦))
لما كان أعظم نبأ جاءهم به القرآن إبطال إلهية أصنامهم وإثبات إعادة خلق أجسامهم ، وهما الأصلان اللذان أثارا تكذيبهم بأنه من عند الله وتألبهم على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وترويجهم تكذيبه ، جاء هذا الاستئناف بيانا لإجمال قوله : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) [النبأ : ٢ ، ٣].
وسيجيء بعده تكملته بقوله : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) [النبأ : ١٧].
وجمع الله لهم في هذه الآيات للاستدلال على الوحدانية بالانفراد بالخلق ، وعلى إمكان إعادة الأجساد للبعث بعد البلى بأنها لا تبلغ مبلغ إيجاد المخلوقات العظيمة ولكون الجملة في موقع الدليل لم تعطف على ما قبلها.
والكلام موجه إلى منكري البعث وهم الموجه إليهم الاستفهام فهو من قبيل الالتفات لأن توجيه الكلام في قوة ضمير الخطاب بدليل عطف (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) [النبأ : ٨] عليه.
والاستفهام في (أَلَمْ نَجْعَلِ) تقريري وهو تقرير على النفي كما هو غالب صيغ الاستفهام التقريري أن يكون بعده نفي والأكثر كونه بحرف (لم) ، وذلك النفي كالإعذار للمقرّر إن كان يريد أن ينكر وإنما المقصود التقرير بوقوع جعل الأرض مهادا لا بنفيه فحرف النفي لمجرد تأكيد معنى التقرير.
فالمعنى : أجعلنا الأرض مهادا ولذلك سيعطف عليه (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) وتقدم عند قوله تعالى : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في سورة البقرة[٣٣].
ولا يسعهم إلا الإقرار به قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥] ، وحاصل الاستدلال بالخلق الأول لمخلوقات عظيمة أنه يدل على إمكان الخلق الثاني لمخلوقات هي دون المخلوقات الأولى قال تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) (أي الثاني) (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [غافر : ٥٧].