ولعل قصد إفادة هذا التركيب لهذين المعنيين هو مقتضي العدول عن ذكر ما زوجت النفوس به. وأول منازل البعث اقتران الأرواح بأجسادها ، ثم تقسيم الناس إلى مراتبهم للحشر ، كما قال تعالى : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر : ٦٨] ثم قال : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) [الزمر : ٧١] ثم قال : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) [الزمر : ٧٣] الآية.
وقد ذكروا معاني أخرى لتزويج النفوس في هذه الآية غير مناسبة للسياق.
وبمناسبة ذكر تزويج النفوس بالأجساد خص سؤال الموءودة بالذكر دون غيره مما يسأل عنه المجرمون يوم الحساب. ذلك لأن إعادة الأرواح إلى الأجساد كان بعد مفارقتها بالموت ، والموت إما بعارض جسدي من انحلال أو مرض وإما باعتداء عدواني من قتل أو قتال ، وكان من أفظع الاعتداء على إزهاق الأرواح من أجسادها اعتداء الآباء على نفوس أطفالهم بالوأد ، فإن الله جعل في الفطرة حرص الآباء على استحياء أبنائهم وجعل الأبوين سبب إيجاد الأبناء ، فالوأد أفظع أعمال أهل الشرك وسؤال الموءودة سؤال تعريضي مراد منه تهديد وائدها ورعبه بالعذاب.
وظاهر الآية أن سؤال الموءودة وعقوبة من وأدها أول ما يقضى فيه يوم القيامة كما يقتضي ذلك جعل هذا السؤال وقتا تعلم عنده كل نفس ما أحضرت فهو من أول ما يعلم به حين الجزاء.
والوأد : دفن الطفلة وهي حيّة : قيل هو مقلوب آداه ، إذا أثقله لأنه إثقال الدفينة بالتراب. قال في «الكشاف» : «كان الرجل إذا ولدت له بنت فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية ، وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية يقول لأمها طيّبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها وقد حفر لها بئرا في الصحراء فيبلغ بها البئر فيقول لها : انظري فيها ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوي البئر بالأرض. وقيل : كانت الحامل إذا أقربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة فإذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة وإن ولدت ابنا حبسته ا ه.
وكانوا يفعلون ذلك خشية من إغارة العدوّ عليهم فيسبي نساءهم ولخشية الإملاق في سني الجدب لأن الذكر يحتال للكسب بالغارة وغيرها والأنثى عالة على أهلها ، قال تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الإسراء : ٣١] وقال : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى