وجعل الأرض : خلقها على تلك الحالة لأن كونها مهادا أمر حاصل فيها من ابتداء خلقها ومن أزمان حصول ذلك لها من قبل خلق الإنسان لا يعلمه إلا الله.
والمعنى : أنه خلقها في حال أنها كالمهاد فالكلام تشبيه بليغ.
والتعبير ب (نَجْعَلِ) دون : نخلق ، لأن كونها مهادا حالة من أحوالها عند خلقها أو بعده بخلاف فعل الخلق فإنه يتعدى إلى الذات غالبا أو إلى الوصف المقوّم للذات نحو : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) [الملك : ٢].
والمهاد : بكسر الميم الفراش الممهد الموطّأ ؛ وزنة الفعال فيه تدل على أن أصله مصدر سمي به للمبالغة. وفي «القاموس» : أن المهاد يرادف المهد الذي يجعل للصبي. وعلى كل فهو تشبيه للأرض به إذ جعل سطحها ميسرا للجلوس عليها والاضطجاع وبالأحرى المشي ، وذلك دليل على إبداع الخلق والتيسير على الناس ، فهو استدلال يتضمن امتنانا وفي ذلك الامتنان إشعار بحكمة الله تعالى إذ جعل الأرض ملائمة للمخلوقات التي عليها فإن الذي صنع هذا الصنع لا يعجزه أن يخلق الأجسام مرة ثانية بعد بلاها.
والغرض من الامتنان هنا تذكيرهم بفضل الله لعلهم أن يرعووا عن المكابرة ويقبلوا على النظر فيما يدعوهم إليه الرسول صلىاللهعليهوسلم تبليغا عن الله تعالى.
ومناسبة ابتداء الاستدلال على إمكان البعث بخلق الأرض أن البعث هو إخراج أهل الحشر من الأرض فكانت الأرض أسبق شيء إلى ذهن السامع عند الخوض في أمر البعث ، أي بعث أهل القبور.
وجعل الأرض مهادا يتضمن الاستدلال بأصل خلق الأرض على طريقة الإيجاز ولذلك لم يتعرض إليه بعد عند التعرض لخلق السماوات.
(وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧))
عطف على (الْأَرْضَ مِهاداً) [النبأ : ٦] فالواو عاطفة (الْجِبالَ) على (الْأَرْضَ) ، وعاطفة (أَوْتاداً) على (مِهاداً) ، وهذا من العطف على معمولي عامل واحد وهو وارد في الكلام الفصيح وجائز باتفاق النحويين لأن حرف العطف قائم مقام العامل.