بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء : ١٠٤] لأن ظاهره اتصال طيّ السماء بإعادة الخلق ، وتصير الأشراط التي تحصل قبل البعث سبعة والأحداث التي تقع بعد البعث خمسة.
والجحيم أصله : النار ذات الطبقات من الوقود من حطب ونحوه بعضها فوق بعض ، وصار علما بالغلبة على جهنم دار العذاب في الآخرة في اصطلاح القرآن ، وتسعيرها أو إسعارها : إيقادها ، أي هيّئت لعذاب من حقّ عليهم العذاب.
وقرأ نافع وابن ذكوان عن ابن عامر وحفص عن عاصم وأبو جعفر ورويس عن يعقوب : (سُعِّرَتْ) بتشديد العين مبالغة في الإسعار. وقرأه الباقون بالتخفيف.
وقوبلت بالجنة دار النعيم واسم الجنة علم بالغلبة على دار النعيم ، و (أُزْلِفَتْ) قربت ، والزلفى : القرب ، أي قربت الجنة من أهلها ، أي جعلت بقرب من محشرهم بحيث لا تعب عليهم في الوصول إليها وذلك كرامة لهم.
واعلم أن تقديم المسند إليه في الجمل الثنتي عشرة المفتتحات بكلمة (إِذَا) من قوله : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) إلى هنا ، والإخبار عنه بالمسند الفعلي مع إمكان أن يقال : إذا كورت الشمس وإذا انكدرت النجوم ، وهكذا كما قال : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) [الرحمن : ٣٧] أن ذلك التقديم لإفادة الاهتمام بتلك الأخبار المجعولة علامات ليوم البعث توسلا بالاهتمام بأشراطه إلى الاهتمام به وتحقيق وقوعه.
وإن إطالة ذكر تلك الجمل تشويق للجواب الواقع بعدها بقوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ).
وجملة : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) يتنازع التعلق به كلمات (إِذَا) المتكررة.
وعن عمر بن الخطاب : «أنه قرأ أول هذه السورة فلما بلغ (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) قال : لهذا أجريت القصة» أي هو جواب القسم ومعنى (عَلِمَتْ) أنها تعلم بما أحضرت فتعلمه.
وقوله (نَفْسٌ) نكرة في سياق الشرط مراد بها العموم ، أي علمت كل نفس ما أحضرت ، واستفادة العموم من النكرة في سياق الإثبات تحصل من القرينة الدالة على عدم القصد إلى واحد من الجنس ، والقرينة هنا وقوع لفظ نفس في جواب هذه الشروط التي لا يخطر بالبال أن تكون شروطا لشخص واحد ، وقد قال تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) [آل عمران : ٣٠].